الحب و الثقة و الحرية
4:13 ص |
تعديل الرسالة

الثقة هي الماء الذي يروي بُرعم الحب في قلبك...
والحرية هي الشمس التي تتفتح بنورها زهور المحبة...
إن المحبة الحقيقية بريئة تماماً من كل أشكال القيود التي تُقيّد بها المحبوب...
بعيدة تماماً عن كل أنواع الأوراق والعُقود....
كالنسيم العليل في ليل الصيف الحار...
فلا تحاول أن تُغلق النوافذ كي تحبسه داخل بيتك... لأنك بذلك لن تحصل إلا على الهواء الفاسد... وهذا ما يفعله أغلب الأزواج في مجتمعاتنا...!
إنهم يخنقون الحب داخل أقفاصهم الذهبية... فيموت ولا يبقى منه إلا الظلال الباردة التي تُحوّل قلوبهم إلى حجارة...
تذكّر دوماً أن تفتح أبوابك ونوافذك الداخلية...
واهدُم السقف والجدران الخفيّة التي تسكُن رأسك وتحجب نور الحياة عن قلبك...
فالقلب لا يعرف حدوداً أو قيود...
لا يعرف إلا التحليق في سماء المحبة الواسـعة...
والثقة الكاملة بالمحبوب...
لأنه يرى روحَه في كل الوجود...
كعبير الورود الذي ينتشر بلا حدود...
دون أن ينتظر مكافأةً أو رُدود....
إن كل الصّكوك والعُقود في معاقد ومحاكم الزواج ما هي إلا دليلٌ على عدم الثقة والرغبة بامتلاك مَن "تُفكِّر" بأنك تحبه... فأنت تثق بالشرطة وقانون المحاكم الـ مااا حاكم أكثر مما تثق بالحب ذاته...!
هذا ليس حباً على الإطلاق... فالقلب لا يعرف مثل هذه الحسابات والمناورات والضّمانات...
القلب مغامرٌ يُخاطر بنفسه لأجل حبِّه... لأجل "هذه اللحظة" التي لا يعرف غيرها... لا ماضي ولا مستقبل...
المحبة لا تعرف إلا "الآن"... لكن عقلك تحوَّل من خادم إلى سيّد... حتى أنه أصبح يدَّعي المحبة ويفكّر بها..!!
الفِكر مُحتالٌ خبير... ومخادعٌ كبير...
عندما تحبّ من أعماق قلبك فعلاً، فلن تفكر في الغد أبداً... لأنك غير قادر على التفكير في حالة العشق والجنون...
إنك تعيش في بُعدٍ آخر للحياة لم تختبره من قبل... ورأسك لم يَعُد السّكن المناسب لك... بل أصبح كالسجن الضيق المظلم بالنسبة لسماء قلبك اللامحدودة...
وأنت الآن تُحلِّق فارداً جناحيك... ولن تهبط أبداً طالما أنك تثق بهذا الفضاء الواسع... بل سترتفع إلى أعلى قمم النور... وتختفي هناك في ألوان الأفق...
هذا الاستسلام هو الإسلام والتسليم للحياة...
فهي لن تأخذك إلى الموت أبداً... لأنها لا تعرف الموت...
ولأنها الحياة بكل بساطة... وبدون أي وساطة، ستقودك إلى مصدرها ومنبعها... فمنه أتيتَ وإليه تعود... وإليه ترجعون...
وفي الحقيقة إنه ليس "هناك" بل: "هنا والآن"
منذ الأزل إلى الأبد... مَدَدٌ... مَدَد...
التسليم يعني الثقة المطلقة...
لكن عقلك يشعر بالخوف والقلق عندما يسمع مجرّد كلمة "ثقة"... فكيف لو كانت كاملة ومطلقة وصادرة عن قناعة عميقة فيك..؟!
العقل لا يعرف إلا القلق والحيرة والشك...
أما الثقة الكاملة فتنبع من أعماق كيانك...
منك أنت...
فأين أنت... ومن أنت ..؟
التسميات:
الجنس و التأمل
|
1 التعليقات
من الجسد إلى الواحد الأحد
4:09 ص |
تعديل الرسالة

هناك سبعة أجساد في جسد كل إنسان...
سواء كان رجل أم امرأة..
وهي ثنائية.. ذكر وأنثى..
متقابلة في جسد كل منهما وصولاً إلى الجسد الخامس
حيث تزول الجنسية والثنائية...
كيف تستطيع أقطاب الكهرباء الموجبة والسالبة
في أول أربعة أجساد أن تتصل مع بعضها
وتشعل هذا القنديل الداخلي الأصيل
ليملأ حياتنا بالنور والسرور
وكيف نصل إلى هذا المقام المقدس من الانسجام؟
لقد قيل لك كثيراً منذ طفولتك أنك ذكر أو رجل فصدقتَ ذلك،
كما قيل لكِ أنك أنثى أو امرأة فصدقتي كذلك!
ضاعت معاني الكلمات ولم نعد نعرف الفرق بين الذكر والرجل وبين الأنثى والمرأة...
وصرنا نعيش في عصر أشباه الرجال وأشباه النساء...
إن الجسد الأول عند المرأة أنثى، بينما الثاني ذكر..
والحالة المعاكسة تماماً موجودة عند الرجل.
بعدها يكون الجسد الثالث عند المرأة أنثى من جديد، والرابع ذكر.
جسد المرأة غير مكتمل، مثل جسد الرجل.
هذان الجسدان معاً يصنعان كياناً متكاملاً... وهذا الاتحاد ممكن بطريقتين:
إذا اندمج جسد الرجل الخارجي مع جسد المرأة الخارجي، سيصنعان وحدة معينة.. من خلال هذه الوحدة تعمل الطبيعة وتستمر بالبقاء والتكاثر.
أما إذا استدار الرجل أو المرأة للداخل وتوحدا مع الرجل الداخلي أو المرأة الداخلية، ستبدأ عندها رحلة مختلفة توصلك إلى أصلك، إلى الاتحاد بالواحد الموجود في كل شيء في الوجود...
ومع ذلك، لا يزال الاتحاد السطحي الخارجي طبيعياً ومقبولاً وكأنه رحلة إلى الفطرة والطبيعة.
في الرجل، عندما يلاقي جسده الأول المادي، جسده الثاني الأثيري وهو أنثى، هذان الجسدان يصنعان وحدة بينهما.. وكذلك عند المرأة عندما يلاقي جسدها الأول جسدها الثاني الأثيري الذكر، فهما أيضاً يشكلان وحدة واندماج داخلي... وهو اندماج جميل جداً...
الاندماج الخارجي لا يمكن أن يكون إلا مؤقتاً... يحدث بسرعة ولا يعطي إلا فترة قصيرة من السعادة وكأنك في الجنة، تأتي بعدها فترة أطول بكثير من الأسى وحزن الفراق... وهذا الحزن يجلب معه شوقاً جديداً لتكرار المتعة نفسها والتي مجدداً ستثبت أنها خاطفة ومؤقتة، ويتبعها أيضاً الانفصال الطويل والفراق الأليم كأنك رجعت إلى الجحيم!..
إذاً المتعة الخارجية يمكن فقط أن تكون مؤقتة، أما الوحدة الداخلية فتستمر للأبد.. حالما تحدث لن تتوقف أبداً.
لذلك، طالما الاتحاد الداخلي لا يحدث عندنا، لا بد من استمرار الألم والأسى..
حالما يبدأ الاتحاد الداخلي سيبدأ معه نهر متدفق من السعادة على غير العادة.
هذه السعادة مشابهة للمتعة المؤقتة التي نختبرها في الاتحاد الخارجي خلال ممارسة الحب، وهو اتحاد متناهي في الصغر في مدته وكأنه ينتهي حتى قبل أن يبدأ... وكثيراً لا يتم حتى اختباره بسبب سرعة حدوثه الخاطفة.
الحقيقة موجودة في جميع الطرق والديانات المختلفة.. عندما يصبح الحب الداخلي ممكناً، فالغريزة والرغبة بالحب الخارجي تختفي فوراً... والسبب هو أن الاتحاد الداخلي كافي ومشبع تماماً... وصور أو تماثيل العاشقين على بعض المعابد القديمة تشير إلى هذا الطريق.
الحب الداخلي هو جزء من التأمل... لهذا يظهر التضاد بين مفهومي الحب الداخلي والحب الخارجي.
التضاد ظهر بسبب حقيقة أن الشخص الذي يحب نفسه ويدخل في هذا الحب الداخلي بما يشبه فعل الحب لكن داخله، سيفقد كل الاهتمام بالحب الخارجي السائد بين الناس.
يجب أيضاً تذكر هذا: عندما تتوحد المرأة مع جسدها الأثيري الذكر فالوحدة الناتجة ستكون أنثى، وعندما يتحد الذكر مع جسده الأثيري الأنثى ستكون الوحدة ذكراً...
وهذا لأن الجسد الأول يمتص الجسد الثاني، ويذوب الثاني في الأول... لكن الآن هؤلاء ذكر وأنثى بمعنى مختلف تماماً... إنهم ليسوا جسد المرأة أو جسد الرجل الذين نراهم من الخارج.
الرجل الخارجي غير مكتمل، لذلك تجده غير مرتاح ولا راضي... المرأة الخارجية أيضاً غير مكتملة ولذلك قلقة وغير راضية.
إذا اختبرنا تطور الحياة على الأرض، سنجد أنه في الكائنات البدائية كوحيدات الخلية يوجد الجنسان ذكر وأنثى معاً... مثلاً المتحوّل... المتحول نصفه ذكر ونصفه أنثى.. لذلك لن تجد أي مخلوق آخر راضي مثله في العالم!... ليبس عنده أي قلق أو بحث.. لكن هذا أيضاً سبب فشله في التطور فبقي دائماً متحوّل.
إذاً الكائنات البدائية جداً في تطور الحياة ليس عندها أجساد منفصلة لكل جنس.. الذكر والأنثى موجودان في نفس الجسد وهو قادر على التكاثر ذاتياً.
عندما يتحد جسد المرأة الأول مع جسدها الثاني الذكر الأثيري، ستظهر امرأة جديدة إلى الوجود وهي امرأة مكتملة.. ليس لدينا أي فكرة عن شخصية المرأة المكتملة لأن كل النساء التي نعرفهن غير مكتملات... وليس عندنا أي تقدير أو معيار للرجل المكتمل لأن كل الرجال الذين نعرفهم غير مكتملين... معظم البشر مجرد أنصاف.. أي أشباه النساء وأشباه الرجال...
حالما يتم هذا الاتحاد سيسود رضى عظيم جداً... رضى تتناقص فيه كل المقلقات والطلبات إلى أن تختفي...
والآن صار من الصعب على هذا الرجل أو المرأة المكتملة أن يقيموا أي علاقة خارجية، لأنه خارجياً هناك فقط أنصاف الرجال وأنصاف النساء، وشخصيتهم الآن لن تشعر بتناغم مع الأنصاف.
ولكن، من الممكن أن تتشكل علاقة خاصة بين رجل مكتمل اتحد جسداه الأولان وامرأة مكتملة اتحد جسداها الأولان.
لقد حاول الحكماء والأنبياء أن يشرحوا لنا أسرار معبد الجسد وأنواع الحب وطبقاته... لكي نتجاوز الجسد المادي والنفس الشهوانية الغريزية ونصل إلى النفس الراضية في مقام القُرب من الله... لكن جهلنا وتعصبنا صلبهم ورجمهم جميعاً... ولقد حاولت حكمة التانترا منذ ألوف السنين بعدة اختبارات أن تتطور هذه العلاقة.... لهذا كان على التانترا أن تحتمل مقداراً كبيراً من الإحراج وسوء الفهم.
لم نستطع فهم ما كان معلمو التانترا يفعلون... لم نستطع فهم كيف تزوج النبي العديد من النساء وليس امرأة واحدة... ولم نفهم ما معنى الرجل القوام على النساء.... لم نفهم ما معنى كلمة السيدة العذراء عندما قالت لم يمسسني رجل... طبعاً فذلك كان أعلى من حدود استيعابنا... لكن تابع القراءة ربما يصلك السر بعد قليل.
عندما يقوم رجل وامرأة مكتملان متحدان مع جسديهما الداخليين المكملين بفعل الحب ضمن ظروف التأمل والتانترا وتقنياتها، بالنسبة لنا خارجياً لن يبدو الموضوع أكثر من فعل الحب العادي.. فلم نستطع أبداً تقدير ما كان يحدث.
لكن هذا نوع مختلف تماماً من الظواهر، وقد كان مساعدة عظيمة للمتأمل وسالك الطريق... لقاء فيه قداسة وصلاة ومغزى هائل...
الاتحاد الخارجي بين رجل مكتمل وامرأة مكتملة كان بداية لاتحاد جديد، كان رحلة إلى مستوى جديد... النوع الأول من الرحلة قد تحقق وانتهى: تم إكمال الرجل والمرأة غير المكتملين... وتم الوصول إلى مستوى معين من الرضى، لأنه لم يعد هناك أي فكرة حول الرغبة.
عندما يلتقي رجل مكتمل مع امرأة مكتملة بهذه الطريقة، سيختبران لأول مرة الغبطة والمتعة من اتحاد كيانين وكونين مكتملين... وعندها سيفهمان أنه إذا أمكن تحقيق مثل هذا الاتحاد التام داخلهم فسيحصلون على سعادة هائلة غير محدودة....
نصف الرجل قد استمتع بالاتحاد مع نصف المرأة، بعدها اتحد مع نصف المرأة داخله فاختبر سعادة غير محدودة... بعدها اتحد الرجل المكتمل مع المرأة المكتملة.. هنا من المنطقي أن يبدأ بالبحث عن المرأة المكتملة ويحققها داخله... حيث يمكن حدوث اللقاء بين الجسدين الثالث والرابع.
الجسد الثالث للرجل هو ذكر من جديد والرابع أنثى، الجسد الثالث للمرأة هو أنثى والرابع ذكر... ولقد اعتنت التانترا جيداً بأن الإنسان لا يتوقف ويتجمد بعد تحقيق الاكتمال الأول. هناك أنواع عديدة من الاكتمال والتكامل داخلنا... والتكامل لا يعيق أبداً، لكن هناك عدة أنواع منه تعتبر غير مكتملة بالنسبة للاكتمالات التالية الكامنة أمامنا.... لكنها على كل حال تعتبر اكتمالات بالنسبة للنواقص السابقة.
النواقص السابقة قد تكون اختفت، لكن لا يزال ليس عندنا فكرة عن الاكتمالات الأعظم التي تنتظرنا... وهذا قد يخلق عائقاً ما.
لهذا، تم تطوير العديد من الطرق في التانترا التي لا يمكن فهمها مباشرة... مثلاً، عندما يكون هناك حب بين رجل مكتمل وامرأة مكتملة فلن يكون هناك فقدان للطاقة، ولا يمكن أبداً أن يكون... لأن كلاً منهما يشكل دائرة كاملة داخل نفسه.
لن يكون هناك هدر للطاقة بين الشريكين، وهنا سيختبران لأول مرة المتعة دون نقصان الحيوية والطاقة.
المتعة المختبرة في اللقاء الجسدي المادي في لحظة النشوة، لا بد أن يتبعها الألم والحزن... الكآبة والكرب والتعب والندم الذي يتبع خسارة الطاقة لا بد منه.
المتعة قصيرة تعبر في لحظة لكن خسارة الطاقة تحتاج إلى 24 إلى 48 ساعة حتى تعوّض.. وسيبقى الفكر ممتلئاً بالكرب والحزن إلى أن تسترد الطاقة.
إذا أمكن فعل الحب دون قذف... والتانترا قد عملت بشجاعة كبيرة في هذا الاتجاه، مع نتائج مذهلة... سنتحدث في مكان آخر عن هذا الموضوع، لأن تقنيات التانترا تشكل شبكة كاملة من العمليات والتقنيات والمراحل.. ومنذ أن انقطعت هذه الشبكة، تدريجياً أصبح كل هذا العلم شيئاً خوارقي نظري وماورائي... صار من الصعب الكلام عن تقنيات التانترا بشكل صريح ومباشر، بسبب جهلنا ومعتقداتنا الأخلاقية الغبية... والإنسان عدو ما يجهل... بالإضافة إلى أن "حكماءنا" الحمقى الذي هم شر العلماء منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود، لا يعرفون شيئاً وقادرون على قول أي شيء... فصار من المستحيل الحفاظ على هذه الحكمة الثمينة حية.
هكذا بدأ تطبيق هذه التقنيات بالزوال أو صار سرياً ونادراً... لهذا نجد أن علم النكاح والتانترا اختفى تماماً من معرفتنا وحياتنا.
إن ممارسة الحب بين رجل مكتمل وامرأة مكتملة هو نوع مختلف تماماً من الحب... إنه حب خالي من خسارة الطاقة... تحدث فيه ظاهرة مختلفة تماماً لا يمكننا وصفها بالكلام وإنما مجرد الإشارة إليها.
عندما يلتقي رجل غير مكتمل مع امرأة غير مكتملة، كلاهما سيخسران طاقة... ستكون كمية الطاقة بعد الحب أقل بكثير مما كانت عليه قبله.
أما في الاتحاد بين الرجل والمرأة المكتملين فيحدث العكس تماماً.. تزداد كمية الطاقة بعد الحب... تزداد الطاقة عند كل منهما... هذه الطاقة تختبئ داخلهما، وتستيقظ وتنشط بمجرد القرب من الحبيب....
في الفعل الجنسي الأول العادي، يحدث القذف بعد تلاقي الرجل والمرأة مع بعضهما.
في الفعل الثاني بين رجل مكتمل وامرأة مكتملة، نجد أن طاقة كل منهما لا تهدر بل تستيقظ بالاقتراب من الآخر.. وكل ما ينطوي داخلهما من أسرار وأنوار يتجسد بكل طاقة وجمال...
انطلاقاً من هذا الحدث، تظهر إشارة بأن اتحاداً بين الرجل المكتمل والمرأة المكتملة يمكن أن يحدث داخلنا أيضاً.
الاتحاد الأول يتم بين كيانين غير مكتملين... والآن تبدأ المرحلة الثانية من العمل لتجلب أجسادهما الثالثة والرابعة فتتوحد معاً...
الجسد الثالث عند الرجل هو ذكر والرابع أنثى من جديد... الجسد الثالث عند المرأة هو أنثى والرابع ذكر...
والآن في الاتحاد بين الثالث والرابع سيبقى فقط الذكر ضمن الرجل، لأن جسده الثالث سيصبح المسيطر... وفي المرأة ستبقى الأنثى بالمقابل، وعندها سيذوب ويندمج الجسدين الأنثويين المكتملين فيها، لأنه لم يعد هناك حاجز بينهما.. كان الجسد الذكري الثالث مطلوباً ليحافظ على المسافة الفاصلة.... وبالمثل، بين جسدين ذكريين يلزم جسد أنثوي للفصل بينهما.
عندما تتحد الأنثى من الجسد الأول والثاني مع الأنثى من الثالث والرابع، في نفس لحظة اللقاء سيصبحان جسداً واحداً... وعندها ستحرز المرأة الأنوثة التامة بمقياس مضاعف... لا يوجد أي أنوثة أعظم منها، لأنه بعد هذه المرحلة لا يبقى أي نمو للأنوثة... ستكون هذه حالة الأنوثة المثالية المتكاملة، وهذه هي المرأة التامة التي ليس لديها أي رغبة حتى للقاء الرجل التام....
في الاكتمال الأول، كان هناك فتنة ورغبة بلقاء شخص مكتمل آخر، وذلك اللقاء صنع المزيد من الطاقة.. والآن حتى ذلك قد انتهى... والآن حتى لقاء الله سيكون دون معنى بشكل ما...
ضمن الرجل، سيتحد أيضاً الذكران في ذكر تام واحد... عندما تتحد الأجساد الأربعة معاً، الذكر هو الذي سيبقى عند الرجل والأنثى هي التي ستبقى عند المرأة... من الجسد الخامس فصاعداً لا يوجد ذكر أو أنثى.
لذلك، الأحداث التي تطرأ في الرجل والمرأة بعد المستوى الرابع لا بد أن تكون مختلفة تماماً... الأحداث تبقى نفسها لكن مواقفهم فيها وتجاهها ستختلف... سيبقى الرجل مبادر ومغامر وستبقى المرأة متقبلة مستسلمة..
بعد الوصول إلى الجسد الرابع، ستتقبل المرأة وتسلّم بشكل تام، لن يبقى أي ذرة فيها دون استسلام... وهذا القبول والاستسلام التام سيأخذها في رحلة إلى جسدها الخامس حيث لا تبقى المرأة امرأة، لأنه عندها لكي تبقى امرأة يجب الاحتفاظ بشيء ما من الماضي.
في الواقع، إننا نحن كما نحن لأننا دائماً نحتفظ بشيء ما من أنفسنا... إذا قدرنا على ترك أنفسنا تماماً فسنصبح شيئاً جديداً لم نمر به من قبل.. لكن هناك تمسك ما في كيان الإنسان طوال الوقت.
إذا استسلمت المرأة تماماً حتى لرجل عادي، سيحدث تبلور فيها وستتجاوز الجسد الرابع... لهذا نجد أن عدة نساء قد تجاوزن الطبقة الرابعة بحبهم حتى لرجال عاديين جداً.
من النساء العارفات هناك السيدة العذراء وفاطمة وعائشة ورابعة والمجدلية... لم يفهم أحد أبداً سلوكهم الخارجي... لأنك لن تستطيع معي صبراً... وهل شققتَ قلبه؟!!
ما هي حقيقة العزوبية والبتولية عند السيدة العذراء؟؟...
ما معنى أن السيدة فاطمة من سدرة المنتهى من أعلى سماء..؟؟
ماذا كان هناك أسرار عند السيدة عائشة وهذا الذكاء الذي وصلها بالكواكب والفضاء؟؟
ماذا حدث في قلب رابعة حتى عشقت الله كل هذا العشق وذابت في الفناء؟؟
وما هي طبيعة الحب المقدس الذي نقل المجدلية إلى قمة الطهارة والقداسة والنقاء؟؟
تعجز الكلمات عن الشرح ولا أجرؤ حتى الآن على قول كل الأسرار لأن سوء الفهم وأبو جهل هو المسيطر والسائد بين الحشود....
لكن إذا قرأت بنفسك بين السطور ستشعر ما يوجد في الصدور.
كلمة العذراء لا تعني المرأة المعزولة التي لا تقع عيناها على أي رجل، وكلمة عازب أيضاً لا تعني الرجل الذي لا يلقي نظره على النساء.... بل العذرية عند المرأة تعني أنه لم يعد هناك عامل أنثوي متبقي داخلها لينظر إلى رجل آخر.
إذا أصبحت المرأة مستسلمة بشكل تام في حبها حتى لرجل عادي، فلن تحتاج للمرور بهذه الرحلة الطويلة... تلقائياً ستتحد كل أجسادها الأربعة وتقف عند باب الجسد الخامس.. لهذا نجد أن المرأة هي التي مرت بهذه التجربة وهي التي قالت مرةً: "الزوج هو الله" أو هو التجلي للألوهية والقداسة السماوية على الأرض.. هذا لا يعني أن المرأة قد اعتقدت فعلاً أن الزوج كان الله، بل معناه أن أبواب الجسد الخامس قد فتحت لها من خلال وسيط هو الزوج.
لم يكن هناك خطأ في ذلك القول، بل كان صحيحاً تماماً إذا فهمناه...
ما قد يحققه المتأمل من خلال جهد عظيم، تستطيع المرأة أن تحققه بسهولة من خلال حبها... مجرد حبها المطلق الصادق لشخص واحد يمكن أن يوصلها إليه.
إن إشعاع وجه ونور المرأة المكتملة قوي لدرجة أنه لا يتجرأ أي رجل ناقص أن يلمسها... لا يمكنه حتى أن ينظر إليها.. والمرأة الناقصة هي فقط التي يمكن أن ينظر إليها بطريقة جنسية.
عندما يقترب رجل من امرأة ويبادرها جنسياً، فالرجل ليس المسؤول الوحيد عن الموضوع... هذا النقص عند المرأة هو حتماً مشارك ومسؤول فيه... عندما يلمس رجل جسد امرأة ما وسط حشد مزدحم، فهو فقط نصف مسؤول.. المرأة التي استدعت اللمسة هي مسؤولة بقدر مماثل.. هي التي حرضتها ودَعتها، ولأن المرأة دورها سلبي فلا يمكن ملاحظة مبادرتها الخفية.. هذا ما دُعي بكيد النساء.. بما أن الرجل هو فاعل ومبادر فمن الواضح أنه هو الذي قام بلمسها.. لكننا لا نستطيع رؤية دعوة الآخر للمسة.
عندما يكتمل الإنسان... عندما تكتمل دائرة الطاقة داخله.. لن يكون فقط منيعاً تجاه الآخرين بل يمكنه حتى المشي على النار دون أن تحرقه... الشك يقطع دارة الطاقة.. وإذا مرّت أي فكرة من الشك في الفكر فالشخص الماشي على النار أو بين الناس سيحترق أو يصاب بالعين مثلاً...
إذا حققت امرأة مكتملة الحبَ التام لشخص واحد فسوف تقفر فوق أول أربع خطوات في الرحلة الروحية... بالنسبة للرجل الأمر صعب جداً لأنه لا يملك فكراً مستسلماً.. لكن من المهم معرفة أنه حتى المبادرة الرجولية يمكن أن تصبح تامة... على كل حال، لكي تكتمل المبادرة لا بد من تدخل عدة أشياء وأشخاص ولا يكفي دورك أنت فقط... أما في الاستسلام أنت وحدك المسؤول عن اكتماله ولا يهمك أي شيء آخر.. إذا أحببتُ أنا أن أستسلم لشخص ما يمكنني أن أفعلها بشكل تام حتى دون إخباره.... لكن إذا كان عليّ أن أكون مبادراً تجاه شخص ما، فذلك الشخص حتماً سيتدخل بالنتيجة النهائية.
لقد قيل أن النساء ناقصات عقل ودين... وقد تشعرون أن هناك انتقاصاً للنساء في هذا القول، لكن لا... قد تشعرون أن المرأة فيها نقص وعندها صعوبة ما.. لكن هذه من قوانين التعويض والتوازن في الطبيعة... وهذا القول ليس انتقاصاً بل وصف دقيق إيجابي للنساء.. معناه أن النساء عندهن هذا النقص لكن ما يعوضه شيء عظيم هو مقدرتهن على الاستسلام... الرجل غير قادر أبداً على الحب بشكل كامل بغضّ النظر عن مقدار الحب الذي يحمله تجاه امرأة ما... والسبب هو أنه مبادر ولديه قدرة أقل على الاستسلام... لديه عقل ودين!
إذا أصبحت أول أربعة أجساد عند المرأة مكتملة واتحدت في وحدة واحدة، ستتمكن من الاستسلام بسهولة كبيرة عند الخامس... وعندما تجتاز المرأة في الحالة الرابعة هاتين الخطوتين من الحب الداخلي وتصبح امرأة تامة، فلا يمكن أن تقف بوجهها أي قوة في الدنيا... وعندها لا يوجد أي أحد سوى الله بالنسبة لها... وفي الواقع، الشخص الذي أحبته في أجسادها الأولى الأربعة قد أصبح أيضاً إلهاً بالنسبة لها، لكن الآن، كل ما تراه صار الله، وأن ترى الله في كل شيء.....
هناك قصة جميلة في حياة رابعة عاشقة الله.... ذهبت مرة إلى أحد المقامات حيث كان الشيخ معتكفاً منعزلاً ولا ينظر إلى أي امرأة منذ سنين... لذلك لم يكن مسموحاً للنساء بزيارة المقام والدخول إليه.
أتت رابعة والأجراس في يديها وقلبها مغمور في حب حبيبها... دخلت مباشرة... فأوقفها الناس داخل المقام بسرعة وأخبروها أن هذا المقام ممنوع على النساء لأن الشيخ لا ينظر أبداً إلى النساء... فأجابت رابعة:
"هذا غريب حقاً... كنتُ أعتقد أن هناك رجل واحد فقط في هذا العالم.. وهو حبيبي الذي لا يحمل اسماً ويحمل كل الأسماء... فمن هو هذا الرجل الآخر؟ هل هناك فعلاً رجل آخر؟ أحب أن أراه إذا أمكن".
اندفعوا إلى الشيخ وأخبروه عن رابعة، وعندما سمع منهم جوابها ركض بسرعة إليها وانحنى احتراماً أمامها وقال:
"من السخافة أن ندعو إنساناً امرأة، عندما لا يوجد بالنسبة له سوى رجل واحد... قضية الرجل والمرأة قد انتهت بالنسبة لها... إنني أعتذر منكِ كثيراً وأطلب العفو... بسبب رؤيتي للنساء العاديات نظرتُ إلى نفسي فاعتقدتُ أنني رجل... لكن بالنسبة لامرأة من مكانتك، كوني رجلاً لا يحمل أي معنى".
عندما يصل الرجل إلى الجسد الرابع سيصبح رجلاً تاماً... يكون قد اجتاز الخطوتين الاثنتين لتحقيق اكتماله... ومن الآن فصاعداً لا يوجد أي امرأة بالنسبة له، صارت كلمة امرأة لا تحمل أي معنى عنده.... إنه الآن مجرد قوة من المبادرة والفعل، مثل المرأة التي تحقق الاكتمال في الأنوثة في الجسد الرابع وتصبح مجرد طاقة من الاستسلام...... لقد صارا الآن مجرد طاقة من المبادرة وطاقة من الاستسلام بنفس المقدار... والآن لم يعودا يحملان اسم رجل أو امرأة، صارا حضوراً من نور...
لقد تطورت طاقة المبادرة عند الرجل وأعطت مختلف أنواع الرياضة كالفروسية والرماية واليوغا والتأمل، وتطورت طاقة الاستسلام عند المرأة وأزهرت في أنواع الخدمة المكرسة وأنواع العلاجات الشفائية...
كلا الرجل والمرأة متماثلين.. ولم يعد هناك فرق بينهما الآن... لم يعد هناك إلا فرق بسيط جسدي خارجي...
والآن سواء سقطت القطرة وذابت في المحيط، أو المحيط دخل وذاب في القطرة، النتيجة النهائية تبقى نفسها...
قطرة الرجل ستقفز إلى المحيط وتندمج معه... وقطرة المرأة ستصبح هاوية كبيرة وتنادي المحيط بأكمله ليملأها...
ستستسلم وسيملؤها المحيط كله... حتى الآن لا يزال دورها سلبي متلقي... إنها الرحم الذي يحمل المحيط الهائل في طياته... ستدخل فيها طاقة الكون بأكمله...
والرجل، حتى في هذه المرحلة لا يمكنه أن يكون متلقي أو متقبل... لا يزال يحمل صفة القوة والمبادرة، لذلك سيقوم بالقفز ويغرق نفسه في المحيط....
في الأعماق السحيقة في كيانهما ستحمل شخصياتهما هذا الاختلاف بين الذكر والأنثى، وصولاً إلى نهاية الجسد الرابع... مملكة الجسد الخامس مختلفة تماماً.. لا يبقى فيها سوى الأرواح... لم يعد يوجد أي تمييز جنسي أو جسدي... ومن هنا فصاعداً تكون الرحلة ذاتها بالنسبة للكل.
حتى الجسد الرابع كان هناك فرق، وهو فقط فرق بين سقوط القطرة في المحيط أو سقوط المحيط في القطرة...
حتى نهاية الجسد الرابع يكون الفرق واضحاً جداً... وفي أي مكان قبلها، إذا تمنت امرأة أن تقفز في المحيط ستصنع صعوبات بالنسبة لها، وإذا تمنى رجل أن يستسلم للمحيط سيوقع نفسه في صعوبات أيضاً... عليك أن تكون واعياً لاحتمال الخطأ في كلا الحالتين.
إن لقاء الحب المطوّل يؤدي إلى تشكل دارة كهربائية بين الرجل والمرأة...
فما هي هذه الدارة؟ كيف تتشكل وما هي استخداماتها بالنسبة للأجساد الأربعة الأولى؟
وما هي علاقتها بالتأمل والتحوّل الداخلي؟
كما تكلمنا منذ قليل، المرأة نصف وكذلك الرجل نصف.. كلاهما طاقة أو كهرباء... المرأة هي القطب السالب والرجل هو الموجب.. وعندما يلتقي القطبان السالب والموجب ويشكلان دارة يتم إطلاق النور... هذا النور له عدة أنواع: قد يكون غير مرئياً أبداً، أو قد يكون مرئياً فقط في بعض الأوقات، أو قد يكون مرئياً بالنسبة للبعض وغير مرئي بالنسبة للآخرين.... لكن الدارة تتشكل دائماً في كل الأنواع.
لكن الاتحاد بين الرجل والمرأة مؤقت جداً لدرجة أنه بمجرد تشكل الدارة لا تلبث أن تنقطع... لذلك، هناك طرق وأنظمة لإطالة فعل الحب.. إذا استمر الحب وتجاوز نصف ساعة فيمكن رؤية الدارة الكهربائية تحيط بالحبيبين.. وفي التاريخ نجد كثيراً من الصور التي تشير لهذه الحقيقة، وكثير من القبائل البدائية الفطرية يستمر عندها الحب فترات طويلة لذلك تتشكل عندها الدارة.
في العادة من الصعب إيجاد هذه الدارة من الطاقة في العالم الحديث... وكلما كان الفكر مليئاً ومقاداً بالتوتر، يصير الحب أقصر ومؤقتاً أكثر.. القذف يحدث بشكل أسرع عندما يكون الفكر متوتراً.. وبازدياد التوتر يتسارع القذف، لأن الفكر الذي يقوده التوتر لا يهتم بالحب بل بتحرير الضغط... وفي الغرب، لا يشكل الجنس عندهم أي شيء أكثر من عطسة!... يتم رمي التوتر بعيداً والتخلص من العبء...
عندما ترمي بالطاقة بعيداً تشعر بالتخلص من العبء والحمل... عندما ترمي الطاقة تشعر بالتشتت والتفتت.
لكن الاسترخاء شيء، والتشتت شيء مختلف تماماً... الاسترخاء يعني أن الطاقة موجودة داخلك وأنت مرتاح.. أما التشتت يعني رمي الطاقة بعيداً وتبقى بعدها منهكاً.. فقدانك للطاقة يجعلك أضعف لكنك تعتقد أنك ترتاح!
هكذا مع ازدياد التوتر في الغرب، أصبح الجنس مجرد تحرير للتوتر، مجرد تحرر من ضغط الطاقة الداخلية.. حتى أنه صار هناك مفكرون غربيون غير مستعدين لإعطاء أي قيمة للجنس أكثر من قيمة العطسة!.. يدغدغك أنفك ثم تعطس، فيرتاح الفكر.. الناس في الغرب غير مستعدين لإعطاء أي قيمة أكثر من هذا، ومعهم حق، لأن ما يفعلونه هم في الجنس ليس أكثر من هذا.
والناس في الشرق يقتربون أيضاً من هذه النقطة والغلطة والغطة، لأن الشرق أيضاً صار متوتراً...
بعيداً في مكان ما من الجبال، ربما نجد إنساناً غير متوتر.. يعيش في عالم من الجبال والأشجار والأنهار، غير متأثر بالحضارة.. هناك حتى الآن يمكن أن تتشكل الدارة خلال قيامه بالحب.
هناك أيضاً طرق من التانترا يستطيع من خلالها أي شخص أن يولد دارة من الطاقة.. واختبار هذه الدارة شيء رائع، لأنه فقط فيها ستشعر بالاتحاد والوحدة... هذه الأحدية الأبدية لا تُختبر قبل تشكل الدارة.. حالما تتشكل الدارة لن يبقى العاشقان ككيانين منفصلين... سيصبحان جرياناً لطاقة واحدة ونور واحد... يختبران شيئاً يأتي ويذهب ويطوف، لكن الانفصال بينهما اختفى.
حسب شدة هذه الدارة، ستتناقص الرغبة للحب وتزداد الفترة الفاصلة بين اللقائين المتتاليين.. عند تشكل الدارة يمكن أن تختفي الرغبة لتكرارها طوال عام كامل لأن الرضى والإشباع قد تحقق.
أو افهمها بهذه الطريقة: عندما يأكل المرء وجبة طعام ثم يستفرغها.. عندها لن يحصل على أي شبع أو رضى من الوجبة.. الشبع لا يحدث بتناول الطعام بل بهضمه... عادة ما نشعر بأن فعل الأكل يجلب الشبع لكن هذا خاطئ.
فعل الحب له نوعان: أحدها هو مجرد الأكل، والآخر هو الهضم..
الذي نعرفه عادة كحب أو جنس ليس أكثر من أكل واستفراغ ولا نهضم فيه شيئاً... إذا حدث هضم لشيء ما فشعور الشبع سيأتي بعده ويستمر بعمق...
الشبع والامتصاص يأتي فقط عند تشكل دارة الطاقة... والدارة تشير إلى أن فكريّ الشريكين قد اندمجا وذابا في بعضهما البعض.. الآن لم يعودا اثنين بل واحد.. إنهما جسدان لكن الطاقة فيهما صارت واحدة.. والروح واحدة..
هذه الحالة من امتصاص الحب وهضمه تترك حالة عميقة من الرضى... وهي شيء مفيد جداً للمتأمل.
إذا كان هذا الحب ممكناً للمتأمل، فالحاجة للحب تتناقص كثيراً.. وعندها الفترة الفاصلة الطويلة تتركه حراً ليسير في رحلته الداخلية.. وحالما تبدأ الرحلة ويأتي فعل الحب الداخلي مع الرجل أو المرأة الداخلية، فالرجل الخارجي يصبح بلا فائدة والمرأة الخارجية تصبح بلا فائدة.
كلمة العزوبية أو البتولية عند الإنسان تعني أن فعل الحب عنده يجب أن يرضيه ويشبعه كثيراً لدرجة أنه يترك سنيناً بأكملها من العزوبية بعده.. حالما يحقق المتأمل هذه الفترة الطويلة وينطلق في رحلته الداخلية، فالحاجة للحب الخارجي تختفي تماماً.
هذا مخالف تماماً للجهل والكبت الذي نجده عند من يدعي العزوبية في أديرة الرهبان والراهبات.. إنهم لا يعرفون شيئاً عن الحب الداخلي ويضيعون طاقة هائلة في تجنب المرأة أكثر مما لو قاموا بالحب العادي.
في الحقيقة، الاتحاد الخارجي مع المرأة هو مجرد لمحة لكنها أساسية لبداية الطريق إلى الحب الداخلي..
على الطاقة الحيوية أن تتحرك إلى مكان ما.. إذا استطاعت أن تذهب للداخل فعندها فقط يمكن أن تحرف عن الهدر للخارج... إذا لم تدخل فلا بد أن تخرج... ولا فرق سواء المرأة حاضرة مادياً أم وهم في مخيلتك.. والأمر نفسه عند المرأة...
إن دارة الطاقة المتشكلة تحيط الإنسان العادي فقط خلال فترة الحب العادي.. لكن عند الرجل الذي اتحد مع امرأته الداخلية ستبقى هذه الدارة أربع وعشرين ساعة في اليوم... وستصبح أكبر وأقوى مع ارتفاعه في كل مقام... ترسم حوله هالة منيرة من الحب والسلام...
لماذا لم يتم رسم أي صورة للنبي؟؟ وكذلك عدة حكماء مثل بوذا لم يرسموه إلا بعد 500 سنة من وفاته، وهذه الظاهرة حدثت عدة مرات في التاريخ... هذه الأسرار لن تجدها في كتب التاريخ أو الأديان والتفاسير... لقد قال بعض الصحابة المقربين عن النبي الحبيب أنهم عندما اقتربوا وراقبوه بيقظة مركزة، أن جسده يختفي ولا يبقى إلا النور والحضور.. وأيضاً كان والده يدعى أبو النور يحمل نوراً في جبهته وقد انطفأ عندما حدث الحمل بالنبي.. أي متأمل يمكنه أيضاً أن يختبر مثل هذه الحالات وأكثر... فنحن حقاً لا شيء.. يشيء بما شاء الكون... لكن الآن صارت نظرة الناس سطحية.. ضاعت البصيرة وتعلقنا بالبصر.. أولئك الذين شاهدوا السيد المسيح عن قرب أيضاً قالوا أنه غير موجود إلا كهالة من نور.. وكثير من العارفين والأنبياء والأولياء...
إذا نظرنا بيقظة تامة للناس في هذه المكانة والمرتبة فلن نرى إلا الطاقة المشعة.. نور من نور.. ولن نرى أي جسد أمامنا إلا الحضور...
بعد تلاقي كل جسدين داخليين تتضاعف الطاقة
بعد الجسد الرابع تصل إلى اكتمالها
في الخامس لا يبقى إلا الطاقة
في السادس ستبدو هذه الطاقة متصلة مع النجوم والسماوات
وفي المقام السابع حتى الطاقة ستختفي
تختفي المادة ثم تختفي الطاقة.. ولا يبقى إلا الفناء واللقاء بالله
التسميات:
الجنس و التأمل
|
0
التعليقات
الرحمة... دواء الإنسان والأكوان من الرحمن
3:59 ص |
تعديل الرسالة

الرحمة هي الدواء الوحيد الذي يشفي من كل داء... لأن سبب كل أمراض الإنسان هو النقصان في الحب...
كل ما يجري خطأ في جسده أو نفسه له علاقة ما بالحب... لا بد أن المريض لم يستطع أن يحب، أو لم يستطع أن يستقبل الحب... لم يستطع أن يشارك بكيانه مع الآخرين.. وهذه هي المصيبة والمأساة، التي تصنع كل أنواع الأمراض والعقد داخلنا.
تلك الجروح الداخلية قد تظهر بعدة طرق: ربما تظهر كأمراض جسدية مادية، أو أمراض فكرية ونفسية... لكن الإنسان في أعماقه يعاني من نقصان الحب.... تماماً مثلما يحتاج الجسد للطعام، فإن الروح تحتاج للحب.... الجسد لا يمكن أن يستمر بدون طعام، والروح كذلك لا يمكن أن تستمر بدون حب.... وفي الواقع، بدون حب لا يمكن للروح حتى أن تولد فيك من الأصل.
لهذا نجد أن الرحمة شفاء من كل داء... وما هي الرحمة؟
الرحمة هي أنقى أشكال الحب... الجنس هو أدنى أشكاله، والرحمة أعلاها...
في الجنس يكون الاتصال جسدياً في الأساس، في الرحمة يكون الاتصال روحياً...
في الحب، تجتمع الرحمة والجنس معاً، تجتمع الروح مع الجسد والعابد مع المعبد...
الحب هو منتصف المسافة بين الجنس والرحمة...
ويمكنك أيضاً أن تسمي الرحمة صلاة.... يمكنك أن تسميها تأملاً أيضاً...
أسمى شكل من الطاقة هو رحمة... وهي تحويل للشهوة إلى رحمة وصحوة...
في الرحمة أنت ببساطة تعطي...
في الحب، تجد نفسك شاكراً ممتناً لأن الآخر قد أعطاك شيئاً ما...
في الرحمة، أنت تشكر وتحمد لأن الآخر قد أخذ شيئاً منك...
ستشكر لأن الآخر لم يرفض عطاءك...
لقد أتيتَ مع طاقة العطاء والمدد، أتيت مع كثير من الورود العطرة لتشارك بها
وسمح لك الآخر وكان متلقياً...
ستشكر هذا التقبل والقبول...
الرحمة هي أسمى أنواع الحب
أقوى ألم في الحياة هو عندما لا تستطيع أن تعبّر... عندما لا تستطيع أن تتواصل، ولا أن تشارك...
أفقر إنسان هو الذي ليس لديه أي شيء يشارك به، أو الذي عنده شيء يشارك به لكنه فقد القدرة والفن وطريقة المشاركة، فصار فقيراً جداً رغم الممتلكات والثروات.
الإنسان المهووس كثيراً بالجنس فقير جداً....
الإنسان المحب أغنى منه نسبياً...
أما إنسان الرحمة هو الأغنى.. يتربع على عرش العالم...
ليس لديه أية قيود أو حدود...
إنه يعطي ببساطة ويتابع طريقه...
ولا ينتظر منك حتى كلمة شكراً...
يشارك بطاقته الفائضة بكل حب وعطاء...
هذا هو الدواء والشفاء...
ما لم تحدث الرحمة لك، لا تعتقد أنك عشتَ بطريقة صحيحة
لا تعتقد حتى أنك عشتَ مطلقاً...
الرحمة هي تفتح زهرة قلبك...
وعندما تحدث الرحمة للإنسان
يشفى ملايين البشر والنجوم في الأكوان...
أي مريض يمر بقربه سيتعافى ويشفى
وأي طفل يراه سيبتسم ويغفى...
التسميات:
الجنس و التأمل
|
0
التعليقات
ما هي النشوة أو الخمرة الإلهية ؟
3:57 ص |
تعديل الرسالة

ما هي النشوة أو الخمرة الإلهية التي تحدّث عنها العارفون بالله والعاشقون؟
ما هو "الحال" الذي يحدث في التأمل كمستوى أعلى من الوعي رغم إغماض العيون؟
أليس الشعور بالنشوة في حالة التأمل العميق منفصل تماماً عن الجنس؟
إن طعم الخمرة الإلهية لا علاقة له أبداً بشرب الخمرة الكحولية... وكذلك اختبار النشوة الحقيقية لا علاقة له بالأفكار الجنسية... بالرغم من أن الناس قد حصلوا على لمحة منها خلال الجنس، لكن النشوة بحد ذاتها ليس فيها أي جنس.
من الممكن أن تصل إلى النشوة من خلال الجنس.. إنها اندماج وذوبان العاشقين، القطبين السالب والموجب... اندماج عميق وتوحيد لدرجة أن الرجل لا يبقى رجل والمرأة لا تبقى امرأة...
الاثنان صارا واحداً... لم يبقى إلا طاقة واحدة تجمعهما معاً... لقد ذابت شخصياتهم وذواتهم في بحر واحد... زال الإناء وبقي الماء في بحر الفناء...
قد يكون الذوبان للحظات فقط... لكن لا يهم... والتجربة بحد ذاتها لا علاقة لها بالجنس.
أول طعم من النشوة لا بد أن تحصل عليه عبر الجنس.... وأقول لك أن التأمل قد نتج ونما من تجربة النشوة الجنسية الجسدية، لأن أول المتأملين منذ ألوف السنين، وخاصة "شيفا" الذي في كتاب الأسرار: Vol1 Vol2 كتب مائة واثنتي عشر طريقة تأمل، وكلها موضوعة كوصفات علمية مركزة... كل تأمل مركز في سطر أو سطرين.. من قلب رجل حكيم جداً...
كل تأمل منها هو بذرة صغيرة، تزرعها في كيانك فتنمو شجرة من التأمل وتثمر...
"شيفا" أيضاً كان معروفاً بأنه عاشق حميم وعظيم.... ربما كان هو أول إنسان يكتشف التأمل...
ويمكننا علمياً أن نقول: أي شخص قد اختبر النشوة في الجنس، إذا كان عنده القليل من الذكاء، فسيرى أنه رغم حدوثها في الجنس لكن لا علاقة لها بالجنس.
هذا يعطي إشارة وبشارة بوجود إمكانيات لتحقيقها بوسائل غير جنسية، لأنها اختبار غير جنسي، إذاً الجنس ليس بالضرورة هو الطريق الوحيد.
لا يحتاج الأمر لكثير من الذكاء إذا اختبرتَ النشوة ورأيتَ بوضوح أنها خالية من كل آثار الجنس... ربما الجنس والتقارب والمداعبة صنع الخلفية فحسب، الأرضية التي بُنيت عليها... لكن تجربة النشوة بحد ذاتها لا تذكرك بالجنس، لكنها شيء روحي سماوي...
أي شخص قد اختبر هذا لا بد أنه استنتج: يمكن وجود طرق أخرى للوصول...
في حالة النشوة لا يبقى أي أثر أو لون للجنس لذلك لا علاقة له بها... بعد ذلك، لا بد أن ذلك المتأمل القديم راقب كيف تحدث النشوة، وبعدها توضحت كل الأمور:
في لحظة حصول النشوة يتوقف الوقت وتنسى أمره تماماً... ويتوقف فكرك، فلا تفكر بأي شيء.... وهناك هدوء مذهل، سلام واسترخاء مترافق مع وعي كبير.
لستَ نائماً... ولم تقع أبداً في تنويم مغناطيسي أو سَكر أو خَدر... كل شيء واضح مثل عين الشمس:
الفكر لا يتصرف ويشتغل كما كان يشتغل باستمرار، عملية التفكير توقفت وسلسلة الأفكار انقطعت... وغاب الإحساس بالوقت، وكأنك دخلتَ في عالم الخلود...
بعد هذه التجربة ستعتقد أنها استمرت فقط بضع ثواني، لكن هذا الإحساس أتى لاحقاً... خلال التجربة ستشعر فعلاً بالأبدية اللامتناهية... وأنت كامل الوعي واليقظة.. في أقصى درجات وعيك التي لم تحدث أبداً من قبل.
أي شخص منتبه يمرّ خلال التجربة طبيعياً سيفكر: "إذا أمكن الحصول على هذه الأشياء بدون جنس: الوعي، غياب الأفكار، وغياب الوقت... عندها يمكن الوصول إلى حالة النشوة دون العبور خلال الجنس كل مرة".
هكذا اكتشف الإنسان التأمل لأول مرة، وإلا فالتأمل ليس شيئاً بيولوجياً أو طبيعياً يحدث لوحده وتكتشفه بمجرد مرور الوقت.... لكن جسمك ووظائفه أعطتك اختباراً حقيقياً، إذا حاولتَ أن تفهمه، لا بد أن تحاول إيجاد طرق أخرى لتحقيقه من جديد.
طبعاً أنت متأكد، لأنه حصل واختبرتَه بذاتك: للحظات، لم يكن هناك أفكار ولا وقت.. مجرد وعي صافي يقظ... إذاً الاختبار حقيقي وممكن.... لستَ تبحث عنه في الظلمة ولستَ تخمّن وجوده أو عدم وجوده.... لقد عرفتَ أنه فعلاً ممكن... لقد عرفته من خلال جسدك وحواسك...
إذاً إذا أمكن تحقيق الأشياء الثلاثة:
الوعي، غياب الفكر، غياب الوقت... دون الجنس،
عندها يمكن حدوث النشوة.
والفرق هنا، أن النشوة الجنسية مؤقتة جداً... رغم أنها عندما تحصل ستبدو أنها مؤبدة، لكن هذا الشعور نتج بسبب عمق اللحظة فحسب...
أما من خلال التأمل فيمكنك تحقيقها للمدة التي تريدها، لأن التأمل لا يعتمد على أي شخص آخر: أكان رجل أم امرأة أم حالة محددة لفكرين متقاربين أو طاقتين متناغمتين... النشوة الجنسية تعتمد على عدة أشياء وخصوصاً على وجود الشريك معك.
التأمل فيه استقلال عن أي شخص آخر... أنت فقط الذي سيصنع الحالة...
طبيعياً الاستنتاج هنا يقول لك: ابدأ بالوعي... لأنك لا تعرف كيف توقف الأفكار... الأمر ليس سهلاً بمتناول يدك، لا تستطيع إيقاف أفكارك ولا إيقاف الوقت، وهنا لا يبقى إلا الشيء الثالث وهو الوعي... بمقدورك أن تكون أقل أو أكثر وعياً.
الوعي شيء بسيط، وأنت حتماً تعرفه... إذا اشتعلت النار فجأة في منزلك، فوراً ستصير واعياً أكثر... أنت تعرف أن وعيك يزداد ويتناقص... في لحظات أنت في وعي كبير وصحوة، وفي لحظات أخرى أنت في وعي قليل وغفوة... إذاً من الممكن صنع الحالة التي تكون فيها أكثر وعياً.
لهذا أصبح الوعي هو أساس التأمل... ومع الوعي تأتي المفاجأة:
كلما صرتَ أكثر وعياً كلما اختفت الأفكار...
وعندما تكون واعياً تماماً فلا يوجد أي أفكار...
وفجأة يتوقف الوقت...
الوقت يمكن أن تشعر به فقط بوجود وتحرك الأفكار.
في الواقع، لا يمكن قياس الوقت إلا عن طريق حركة معينة.. مثلاً في الساعة، كيف تقيس الوقت؟ بمراقبة حركة العقارب...
إذا كان كل شيء حولك ساكناً فلن تكون قادراً أبداً على تصوّر وجود شيء مثل الوقت!
لكنك تنظر هنا وهناك، الشمس تشرق وتغيب كل يوم، وتشاهد سيارة عبرت الطريق، ثم أتى قطار وذهب... بينهما هناك فراغ، هذا الفراغ يعني الوقت.... كل هذه الحركات حولك، وأنت تراقبها وتبحث عنها باهتمام لكي تدرك الوقت.
في عالمك الداخلي هناك حركة واحدة فقط وهي حركة الأفكار
عندما تتوقف الأفكار، يختفي الوقت فجأة بسبب اختفاء الحركة...
لهذا في الليل، إذا أتت إليك عدة أحلام ستشعر في الصباح أن الليلة كانت طويلة جداً، لأن حركة كثيرة حدثت داخلك... لكن إذا لم يأتيك أي حلم ستشعر في الصباح أنك لم تلبث أن تنام وفجأة استيقظت! ومرّت الليلة بسرعة فائقة.
عندما تكون في قلق أو ألم أو معاناة، يمر الوقت ببطء بسبب ألمك... تريد أن يزول الألم بسرعة، لكن بسبب توقعاتك بأن الألم لن يزول بسرعة، سيمر الوقت ببطء شديد!
أما عندما تقابل صديقاً حميماً بعد غياب سنين، ستفاجأ بمرور الساعات بسرعة وكأنها دقائق!
عندما تكون فرحاً، أو عندما تكون حزيناً، كلا الحالتين تؤثران فوراً على سرعة مرور الوقت، لكنك عندما لا تكون في أي حالة منهما، في هدوء وسكون مطلق، فلن يكون بمقدور الوقت أن يمرّ أبداً.
إذاً... عندما يصير المرء واعياً، يجد أن الأفكار تتناقص وفي النهاية تختفي...
بعدها يجد أن الوقت غير موجود... وهكذا لقد وجد المفتاح الأساسي للتأمل...
عندها كل أنواع التأمل الأخرى هي مجرد فروع وأنواع وتركيبات من نفس الطريقة...
كلها تشترك بشيء أساسي واحد هو الوعي أو المشاهدة... أشهد...
ويظهر أنه لا يوجد أي طريقة أخرى لاكتشافه إلا من خلال النشوة الجنسية، لأن هذه هي التجربة الطبيعية الوحيدة في الحياة التي تقترب من التأمل... والمصيبة الكبرى أن ملايين الناس لا يعرفون ولم يختبروا أي شيء اسمه نشوة، وكل الأديان كانت ولا تزال تمنعهم من ذلك الاختبار.
هذا سخيف جداً... لأن الناس إذا لم يحصلوا على أي تجربة من النشوة، سيبقى التأمل مجرد خرافة وهمية بالنسبة لهم، فكرة نظرية فلسفية ما ورائية، أو أن التأمل فقط محصور ببعض الناس الخارقين المختارين...
"لكننا بشر، وما أنا إلا بشر مثلكم قالها كل مسيح ونبي... نحن بشر بسطاء... ولا يمكننا أن نصير أكثر وعياً هكذا من الفراغ... كيف يمكن للمرء أن يصير أكثر وعياً؟ نحن واعيين قدر ما نستطيع، لكن كيف يمكننا إيقاف الأفكار؟"... هذا حديث الكبار والصغار....
مسؤولية إبقاء البشرية بعيدة عن التأمل تعود كلها إلى الأديان الخالية من الحقيقة والإيمان، لأنها جميعاً ضد الجنس... لقد منعت الناس، ليس من الجنس بل من النشوة، لأنها سممت الجنس الطبيعي بالذنب...
لم يستطيعوا منع الجنس، لكنهم لم يسمحوا للناس بأن يفرحوا ويحتفلوا به، لم يسمحوا لهم أن يحترموا طبيعتهم وفطرتهم، ومنعوهم من التعمّق فيه...
وعلى العكس: قالوا أن الجنس خطيئة وزنى، لذلك يشعر الناس بالذنب...
يشعر الرجل بالعجلة لينهي الجنس بسرعة قدر الإمكان، لأنه يجب ألا تستمر بالحرام لفترة طويلة... وبما أنك تعرف أنك تقوم بشيء خاطئ، لذلك تريد عمله وإنهاءه بسرعة.
وإذا كان الرجل في عجلة، لا يمكنه الحصول على النشوة، بل فقط القذف...
وهذا يثبت له صحة كلام كل رجال الدين وتعاليمهم: إنك تهدر طاقتك.
لأن الرجل بهذا القذف يشعر أنه لم يكسب شيئاً، وهذا هدر، ويشعر بالتعب والنعاس بعده...
في اليوم التالي قد يصاب بالصداع، بالخمول، بالبلادة أو البلاهة.. فيقول لنفسه:
نعم... لا بد أن كلام رجال الدين صحيح وأن الله يعاقبني الآن على ما فعلت!
فعلاً شيء غريب جداً، لقد صنعوا فكرة الذنب، وفكرة الذنب من تلقاء نفسها
أعطت الإثباتات بأنك تقوم فعلاً بشيء خاطئ!!!!
والمرأة بقيت دون حراك أثناء الجنس، لأنها تعلّمت أن المرأة التي تتحرك أو تستمتع وتلهو خلال الجنس تكون عاهرة، العاهرات فقط يستمتعون وليس السيدات المحترمات... السيدات ينامون ببساطة وهدوء كأنهم موتى، ويفكرون: "دعي الرجل يفعل ما يريد، ولينهي أمره بسرعة"... لأن النساء في هذا الجهل لا يحصلون على أي شيء من الجنس سوى الإزعاج!
الرجل على الأقل يحصل على عطسة، على تحرير للطاقة التي تجمّعت فيه وصارت عبئاً ثقيلاً، لكن المرأة لا تحصل حتى على ذلك التحرير البسيط... لذلك طبيعياً، تجد أن النساء ضد الجنس أكثر من الرجال... وكل امرأة تقول في فكرها أن جميع الرجال ليسوا إلا حيوانات: هدفهم الوحيد هو الجنس.
هذه هي نتيجة الجهل وكل التعاليم الدينية... بهذه الطريقة، لم يستطيعوا منع الجنس وإلا لانقرضت البشرية... والنشوة ليست ضرورية للتكاثر والحفاظ على النسل.
النشوة لم تكن شيئاً ضرورياً للتكاثر، لكنها شيء يفتح نافذة على سماء واسعة،
يسمو فيها الوعي ويتطور...
لكن الحمقى الذين كانوا رجال وقادة أديان منعوا تلك النافذة... كانوا دائماً يعلّمون ويبشرون:
"صلّي وتأمّل!"... وعندما يفشل الناس في التأمل ومراقبة الفكر، يقول لهم رجال الدين:
"أنتم خاطئون مذنبون زانيون... فكيف لكم أن تصلوا إلى الله أو النور؟.. أولاً كونوا عازبين، صوموا، استغفروا واعترفوا بأخطائكم وكفروا عن ذنوبكم"...
وجميع هذه الأشياء ستمنع الناس من الحصول على النشوة، والتي هي الطريقة الطبيعية الوحيدة للحصول على أول لمحة من التأمل...
يمكنك أن تفهم الآن ما معنى: علماؤهم شر العلماء... منهم تخرج الفتنة وإليهم تعود..
لقد تم منعك من دين الفطرة والتديّن الحقيقي،
والذي منعك هم رجال الدين ذاتهم الذين تقدّسهم وتسمع كلامهم وتفاسيرهم!
يقول العلم أنه لا بد من وجود شيء ما في طبيعة الإنسان يفتح النافذة على تطوّر أعلى، وإلا كيف يمكنك إقناعه بأن هناك اختبارات أعلى من الفكر والزمن؟ وكيف توصل أول إنسان إلى ما وصل إليه؟ لماذا تأمل في البداية، وكيف وجد طريقة للتأمل؟
لا بد أن شخصاً ما في التاريخ القديم قد وجد شيئاً مشابهاً في طبيعته، ورأى أنه رغم مروره في الجنس، وصل إلى نقطة لا علاقة للجنس بها: الجنس ببساطة يفتح الباب إلى واقع جديد... وهذا الباب يمكن أن يفتح بسهولة أكثر بدون جنس وبدون الاعتماد على الآخر.
من أسوأ المصائب التي أصابت البشرية أن الجنس صار محرّماً ممنوعاً مرفوضاً ومداناً بشدة...
لم ينجحوا في منعه، لكنهم حتماً نجحوا في تسميم النمو الروحي للإنسان.
النشوة التي تختبرها خلال التأمل ليست هي فقط غير جنسية، بل حتى النشوة الجنسية ليست جنسية...
النشوة بحد ذاتها ليست تجربة جنسية أبداً..
الطريقة البدائية، الطريقة الأولى الأسهل هي من خلال الجنس، وهي جيدة تماماً، تتماشى مع فطرتنا وحكمة الطبيعة داخلنا... عندها ستعلم أن تجربة كهذه متاحة لك، وبعدها يمكنك أن تختبر وتلعب بالتجربة تلك، وتستطيع إيجاد عدة طرق للوصول إليها.
جميع طرق الوصول صارت طرقاً للتأمل... وهذا لا يمنعك من استخدام طريق الجنس، لأن الجنس هو الذي أعطاك أول طعم وأول تجربة، أول لمحة من البصيرة والتأمل، هو الذي أعطاك شيئاً أبعد من حدود الجسد والطبيعة.
لذلك على المرء أن يحب ويشكر قدرات ووظائف جسده كلها
يجب ألا يكون موضوع الذنب مطروحاً أبداً
لو أن الأديان علّمت الناس الامتنان والشكر للجنس وكل ما هو مقدس في الجسم، كان بمقدورنا إنتاج نوع مختلف تماماً من الإنسان... ليس كهذا المخلوق البائس الكئيب الذي تراه حول العالم...
كان بمقدورنا إنتاج أناس حقاً فرحين ومبتهجين... أناس قد نسيوا كيف يكونوا تعساء أو كيف يعانون... نسيوا تماماً الصراع والقلق والفقر والحروب التي نعيشها في يومنا هذا.
التسميات:
الجنس و التأمل
|
0
التعليقات
بين الاستقلال والاتكال
3:48 ص |
تعديل الرسالة

العلاقة شيء... والمشاركة الحقيقية شيء آخر...
إقامتك لأي علاقة يعني أنك بالأصل مستقل ومنفصل وكذلك الشخص الآخر
ولهذا قررت التواصل معه بعلاقة
العلاقة ليست مشاركة: بل عقد بين شخصين مستقلين...
ولهذا السبب كل العلاقات مزيفة لأن الاستقلال بالأساس مزيف
لا أحد مستقل... وإذا لم تكن مستقلاً فكيف يمكنك إقامة علاقة؟ ومع مَن ستقيمها؟
الحياة مشاركة... اعتماد متبادل على بعضنا البعض...
لا أحد مستقل أبداً، لا يمكنك أن توجد لوحدك حتى للحظة واحدة...
بل تحتاج للوجود كله ليغذيك ويدعمك
في كل لحظة تأخذ فيها نفساً، شهيق يدخل وزفير يخرج..
هذه ليست علاقة، لكنها مشاركة
وتذكر، لا أقول أنها اعتماد أو اتكال.
لأن فكرة الاتكال تفترض من جديد أننا مستقلون!
إذا كنا مستقلين، عندها فقط يمكن نشوء الاتكال والاستغلال
لكن الحالتين مستحيلتين.. الحياة مشاركة.
ما رأيك؟ هل الموجات مستقلة عن المحيط، أو متكلة عليه؟
الحقيقة لا هذا ولا ذاك... الموجات هي المحيط... لا منفصلة عنه ولا معتمدة عليه.
لا وجود للمحيط بدون أمواج، ولا وجود للأمواج بدون المحيط...
إنهما شيء واحد كامل متكامل
وكذلك حياتنا بكاملها
نحن أمواج من محيط كوني من الوعي
وهذا يعني أنه يمكن للحب أن يأخذ ثلاثة أبعاد:
الاحتمال الأول: هو من الاتكال... وهذا ما يحدث مع غالبية الناس:
الزوج معتمد على الزوجة والزوجة معتمدة على الزوج
يستغلان بعضهما البعض، يسيطران، يمتلكان الآخر..
يحوّلان أنفسهما إلى سلع للبيع والشراء والامتلاك
وهذا ما يحدث مع 99% من حالات "الحب" في العالم.
ولهذا فإن الحب الذي يستطيع فتح أبواب الجنة، لا يفتح إلا أبواب الجحيم!
الاحتمال الثاني: هو من الاستقلال.. الحب بين شخصين مستقلين
وهذا يحدث أحياناً... لكنه يجلب البؤس أيضاً...
لأن هنالك صراعاً مستمراً، لا يمكن حدوث توافق أو تكيّف
كلٌّ منهما مستقل جداً، ولا أحد مستعد للتسوية والتراضي مع الطرف الآخر.
الشعراء والفنانون والمفكرون والعلماء...
أولئك الذين عاشوا في نوع من الاستقلال، على الأقل في عقولهم،
هم أناس من المستحيل العيش معهم، لأنهم غريبو الأطوار ومتطرفون كثيراً...
يعطون الحرية للآخر، لكن هذه الحرية تشبه اللامبالاة أكثر من الحرية...
تبدو وكأنهم لا يهتمون، وأن الأمر لا يعني لهم شيئاً..
يتركون لبعضهم البعض مساحاتهم الشخصية الخاصة
فتبدو العلاقة سطحية جداً...
يخافون من التعمق في العلاقة وفي أعماق الآخر
لأنهم متعلقون بحريتهم أكثر من حبهم...
ولا يريدون أي تسوية أو تنازل
والاحتمال الثالث: هو المشاركة والتبادل... وهو نادر الحدوث،
لكنه عندما يحدث، تنزل قطعة من الجنة إلى الأرض..
شخصان منسجمان.. لا مستقلان ولا متكلان...
لكنهما في تناغم كبير.. وكأن كل واحد يتنفس للآخر
روح واحدة في جسمين...
عندما تحدث هذه الحالة يكون الحب قد حدث
هذه الحالة فقط يمكنك أن تسميها حُباً،
الحالتان السابقتان ليست حباً حقيقياً...
إنهما مجرد ترتيبات وتنظيمات
اجتماعية، نفسية، أو هرمونية
الحالة الثالثة فقط هي الروحية
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
محبة بلا علبة
3:19 ص |
تعديل الرسالة

الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية
عندما تحب كل شيء لن تتعلق بأي شيء
...إذا صار الرجل سجيناً لحب المرأة
...وإذا صارت المرأة سجينة لحب الرجل
عبودية السجين لا تليق بتاج الحرية الثمين
أما إذا صار الرجل والمرأة كياناً واحداً بالحب
لا ينفصلان ولا يتمايزان...
فهذه أعظم جائزة ينالها الإنسان
كتاب مِرداد لميخائيل نعيمة من أجمل الكتب التي أحبها... مرداد هو شخصية خرافية، لكن كل قول وفعل لمرداد مهم جداً.... يجب ألا تقرأها كرواية بل ككتاب مقدس وربما الكتاب المقدس الوحيد.. ويمكنك في هذه المقولة أن ترى مجرد لمحة من رؤية مرداد ووعيه وفهمه...
إنه يقول: الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية... لكنك دائماً تسمع وتعتقد أن الحب هو التعلّق والرباط الوحيد، كل الأديان تتفق على هذه النقطة والفكرة.
الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية
عندما تحب كل شيء لن تتعلق بأي شيء
في الواقع، على المرء أن يفهم ظاهرة التعلق بحد ذاتها...
لماذا تتعلق بشيء ما؟ لأنك تخاف أن تفقده... ربما يقوم أحد ما بسرقته...
وخوفك هو أن ما يوجد لديك اليوم قد لا يوجد غداً.
لكن مَن يعرف ماذا سيحصل في الغد؟ الرجل الذي تحبينه أو المرأة التي تحبها يمكن لأيّ منهما أن يتحرك وقد تصبح أقرب إليه أو أبعد...
قد تعودان مجدداً غريبين عن بعضكما، أو قد تصبحان متحدين معاً لدرجة لا يمكن أن نقول أنكما اثنين... طبعاً هناك جسدان لكن قلباً واحداً يخفق فيهما بأغنية وإيقاع واحد، والنشوة تحيط بكما كغيمة ربيعية فتختفيان فيها تماماً: أنت لستَ أنت، وأنا لستُ أنا...
يصير الحب كلياً وعظيماً، غامراً وفائضاً، بحيث لا يمكن أن تبقى كما أنت: عليك أن تُغرق نفسك وتغوص ثم تختفي...
في ذلك الاختفاء، مَن سيبقى هناك ليتعلّق، ومع مَن؟؟؟
عندما تتفتح زهرة الحب بكامل رونقها يصير كل شيء كما هو ببساطة.. كل شيء موجود دون شرح أو فكر... والخوف من الغد لا يظهر أبداً، لذلك لا يظهر أي تعلق، ارتباط أو امتلاك، زواج، ولا أي نوع من العقود والعبودية.
ما هي زواجاتكم كلها؟ هل هي أكثر من عقود عمل؟ مؤسسة زوجية؟
"يا سماحة الشيخ أو سعادة القاضي، نريد الزواج ونحن نقسم ونلتزم ببعضنا البعض أمامك"... أنت بهذا تهين الحب!!! أنت تتبع القانون، وهو أدنى وأبشع شيء في الحياة.
عندما تجلب الحب إلى المحكمة، فإنك ترتكب جريمة لا تُغتفر... تأخذ تعهداً أمام قاضي المحكمة أنه: "نريد أن نتزوج وسنبقى متزوجين، هذا وعدنا لك وللقانون: لن ننفصل ولن نخدع بعضنا أبداً"....
هل تظن أن هذا ليس إهانة كبيرة للحب؟
ألستَ تضع القانون فوق الحب؟
الإنسان ليس بحاجة لأي شرائع ووصايا
وأنا لا أؤمن بأي قانون...!
إنني أحب... فلا حاجة للقانون
القانون موجود للذين لا يعرفون كيف يحبون
القانون مخصص للعميان، ليس للذين عندهم عينان
القانون مخصص للذين نسوا لغة القلب ولا يعرفون إلا لغة الفكر
مقولة مرداد ذات قيمة عظيمة ويجب أن تفهمها بعمق، ليس فكرياً فقط، وليس عاطفياً فحسب لكن دع كل كيانك يشربها ببطء:
الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية
...لأنك عندما تحب لا يمكنك حتى أن تفكر بأي شيء آخر.
عندما تحب كل شيء لن تتعلق بأي شيء
كل لحظة تجلب معها نوراً وعطراً جديداً، أغاني ورقصات جديدة لترقصها... قد يتغير المشاركون بالرقصة لكن الحب يبقى.
التعلق هو الرغبة بأن الشريك يجب ألا يتغير مطلقاً.. ولذلك عليك أن تقسم أمام المحكمة وتلتزم أمامها وأمام المجتمع وكل الشكليات الغبية المنتشرة... وإذا مشيت عكس تلك الشكليات ستخسر كل الشرف والاحترام في عيون الناس الذين عليك أن تعيش معهم.
الحب لا يعرف شيئاً من التعلق لأن الحب لا يعرف أي إمكانية للهبوط من السمو والكرامة والقداسة... الحب هو الشرف بحد ذاته وهو كل الاحترام الحقيقي في الحياة، ولا يمكنك أن تفعل أي شيء ضده... أنا لا أقول أن الشركاء لا يمكن أن يتغيروا، بل أقول أن ذلك لا يهم: إذا تغير الشركاء لكن بقي الحب كنهر يجري ويتدفق، عندها سيكون هناك حب في العالم أكثر بكثير مما يوجد اليوم.
الحب اليوم ليس نهراً، بل حنفية!
تقطر نقطة... نقطة... نقطة...
لذلك لا يمكنه إرواء عطش أي أحد...
الحب يحتاج لأن يكون هائلاً كالمحيط،
ليس كنقاط الماء من الحنفية العامة
وكل الزواجات مجرد حنفيات!
الحب هو الله... شيء كوني واسع وشاسع...
الحب لا يدعو فقط بعض الأشخاص للاحتفال، بل إنه يدعو الشمس والقمر والنجوم والأزهار والطيور، والوجود كله مدعوّ ليأتي ويحتفل ويجود.
الحب لا يحتاج لأي شيء آخر... ليلة شاعرية مليئة بالنجوم، ماذا يمكنك أن تطلب أكثر؟ فقط بعض الأصدقاء وستجد أن الكون كله صديقك أيضاً.
لم أصادف أي شجرة تعاديني أو تتكلم ضدي...
رأيت كثيراً من الجبال العالية لكن أياً منها لم يكن عدواً لي!
كل الوجود هو بيتك وأمك الأرض التي تصادقك وتحميك وتحبك.
عندما يتفتح فهمك للحب فلا يوجد أي أثر للتعلق أبداً... حتى الفكرة لا يمكن أن تظهر... يمكنك أن تستمر بتغيير شركائك وذلك لا يعني أنك تهجر أو تتخلى عن أي أحد... ربما تعود مجدداً لنفس الشريك ولا يوجد أي أثر للتحيز أو التمييز.
على المرء أن يفهم نفسه كأنه طفل لا يزال يلعب على شاطئ البحر يجمع الأصداف والأحجار الملونة ويستمتع جداً كأنه قد وجد كنزاً كبيراً...
إذا استطاع المرء أن يستمتع بالأشياء الصغيرة في الحياة، وأن يعيش بحرية ويسمح للآخرين أن يعيشوا بحرية، يمكن أن يصير هذا العالم عالماً مختلفاً تماماً...
عندها سيمتلئ بالجمال والبركة، سيمتلئ بنور كبير مشرق...
نور يشع من كل قلب موقد على النار....
وحالما تعرف ما هي هذه النار، ستستمر ألسنة شعلتها بالنمو
شعلة الحب تنمو كما تنمو الأشجار، وكذلك تجلب الأزهار والثمار
لكن الذي تعتقده حباً ليس بحب... لذلك تجد ظهور تجارب غريبة:
يقول لك أحدهم: "ما أجملك! إنني أحبك كثيراً، ولا يوجد أي امرأة مثلك في الكون كله"... وأنتي لا تعترضين أبداً وتقولين مثلاً:
"ليس لديك حق بقول هذه العبارة، لأنك لا تعرف كل نساء الكون"....
عندما تقال مثل هذه العبارات الجميلة، ينسى المرء أنها غير منطقية.
ولم تسألي الشخص الذي قال لك: "أنا أحبك".....
"ما هو الحب؟ هل تعرف، أم أنك دون معرفة بدأت تحب؟ ما هي أسبابك؟"
عندها سيبدو ذلك الرجل غريباً جداً وسيحاول الهرب بأقرب فرصة، لأن المحبين لا يفكرون أنه عندما تقول لشخص ما: "ما أحلى قلبك يا حبيبتي" فعليك أن تشرح ماذا تقصد: "ماذا تعني بهذا؟ هل تذوقتَ قلباً ما من قبل؟ ماذا تعني؟ هل تعتقد أنني شيء حلو وشهي قابل للأكل!؟"
الناس عندما يحبون بعضهم يقولون: "أريد أن آكلك من كثرة ما أحبك"... ولا أحد يعترض: هل أنت آكل لحوم بشر أم مجنون؟
هذه الأشياء يتعلمها الناس من الأفلام والروايات وكل هذه الحوارات التي لا تعني أي شيء... بل كلها تعني ببساطة: "هيا بنا إلى السرير!"
لكن لأننا أناس متحضرون، لا يمكنك بدون إشارات وتقديمات ومقدمات أن تقول مباشرة لأحدهم: "دعنا نذهب إلى السرير".
سوف تركض المرأة إلى الشرطة وتشتكي عليك: هذا الرجل قال لي شيئاً مؤذياً وبشعاً جداً...
لا يحدث هذا، ولكن إذا أخذتَ طريقة "متحضرة": ادعوها إلى بعض المثلجات، التي تبرّد القلب، اجلب بعض الأزهار والهدايا، وتحدث بعض الكلام الناعم الحلو بلا معنى، بعدها سيفهم الشخصان أنهما سينتهيان بالصداع في الصباح التالي، وسينظران إلى بعضهما بغرابة وإحباط: ماذا كنا نفعل معاً في السرير؟
عندها سيختبئ أحدهما وراء الجريدة، وكأنه يقرؤها، والآخر سيبدأ بتحضير الشاي أو القهوة، لمجرد نسيان ما حصل...
بعدها يقول مِرداد:
...إذا صار الرجل سجيناً لحب المرأة
...وإذا صارت المرأة سجينة لحب الرجل
عبودية السجين لا تليق بتاج الحرية الثمين
في اللحظة التي يصبح الحب فيها تعلقاً، يصبح الحب علاقة...
في اللحظة التي يصبح الحب فيها حاجة ومطلب، يصبح سجناً...
لقد دمّر الحرية، لا تستطيع الطيران في السماء لأنك في القفص الآن.
المرء يتساءل، وأنا خصوصاً أتساءل بيني وبين نفسي.
الناس يتساءلون عني، ماذا أفعل دائماً في بيتي لوحدي؟
وأنا أتساءل عنهم، ماذا يفعل هؤلاء الناس باستمرار مع بعضهم طوال الوقت؟
أنا لوحدي، على الأقل هناك سهولة في الحياة، ولو كان أي شخص معي فهناك مشكلة ولا بد أن هناك شيء ما سيحصل... الآخر موجود والصمت لا يمكن أن يستمر: لا بد أنه سيقول أو يسأل شيئاً ما، يجبرك على القيام بفعل ما... وفوق كل هذا، إذا بقي الشخص ذاته معك دائماً يوماً وراء يوم....
إن الذي اخترع السرير المزدوج كان من أكبر أعداء البشرية... حتى في السرير لا يوجد حرية!.. لا يمكنك أن تتحرك لأن الآخر بجانبك، وغالباً يحتل معظم السرير وستكون محظوظاً إذا قدرت أن تجد فسحة لك، وتذكر، الآخر يستمر بالنمو والتضخم.
عالم غريب فعلاً... تستمر النساء بالتضخم ويستمر الرجال بالتقلص... والخطأ كله يعود إلى الرجل، هو الذي يجعل امرأته تسمن وتحمل وسيأتي المزيد من المشاكل.
حالما تضع شخصين ذكر وأنثى معاً، ستفاجأ أن الثالث سيصل بسرعة، وإذا لم يصل سيقلق عليكما الجيران: "ما القصة؟ لماذا لم تجلبا أي طفل إلى الآن؟"
لقد عشتُ مع كثير من الناس في عدة أماكن.. ودائماً أفاجأ... لماذا الناس متلهفون جداً لصنع المشاكل للآخرين؟
إذا كان الشخص غير متزوج، يقلقون ويقولون: "لماذا لا تتزوج؟"... وكأن الزواج قانون وسنة الكون وعلى الجميع أن يتبعها دون سؤال.
وتحت تأثير الضغط والتعذيب من كل الناس، يفكر المرء أنه من الأفضل أن يتزوج، على الأقل سيتوقف هؤلاء الناس عن ملاحقتي وتعذيبي... لكنك مخطئ يا صديقي: حالما تتزوج سيبدأ السؤال الثاني: "متى سيأتي طفلك الأول وماذا ستسميه يا أبو فلان؟"
هذه فعلاً مشكلة صعبة، وليس في يدك أن تجلب طفلاً، قد يأتي أو لا يأتي، وسيأتي في موعده الخاص به... لكن كل الناس يلاحقونك لتجلب الطفل.
ويقولون: والله البيت ليس بيتاً بدون طفل... هذا صحيح
لأن البيت سيكون معبداً صامتاً ورائعاً بدون الطفل، ومع الطفل سيتحول إلى مشفى مجانين! وستتضاعف المشاكل مع المزيد من الأطفال.
إنني أجلس بصمت في غرفتي معظم حياتي، لا أزعج أحداً، ولم أسأل أبداً أي شخص: "لماذا أنت غير متزوج؟ لماذا لم تلد طفلاً بعد؟".... لأنني لا أعتقد أن هذه الأسئلة تدل على الحضارة، بل هي تدخل في حرية الآخر.
يستمر الناس بالعيش مع زوجاتهم وأطفالهم، ولأن حضور أي شخص جديد يدخل في العائلة سيخرب عدة أشياء، فإنك تلقائياً تصير أقل حساسية.
تسمع أقل، تشم أقل، تتذوق وترى أقل....
ستفاجأ عندما تعلم أنك لا تستخدم كل حواسك بكل شدتها وإمكانياتها... لهذا عندما يقع شخص ما في الحب لأول مرة، يمكنك أن ترى كيف يبرق وجهه، وكيف يمشي بحيوية ورقصة، ثيابه مكوية جيداً وحتى ربطة عنقه مربوطة بفن متقن!.. لا بد أن شيئاً ما حدث له.
لكن ذلك لا يستمر كثيراً... بعد أسبوع أو اثنين يعود الملل ذاته من جديد، وسترى الغبار بدأ يتراكم... انطفأ النور، وعاد يجرّ نفسه جراً على الطريق...
الأزهار لا زالت تتفتح كل يوم لكنه الآن لا يرى أي جمال...
النجوم تستمر بمناداته ومناجاته لكنه لا ينظر إلى سماء المساء...
هناك الملايين من الناس الذين لم ينظروا إلى الأعلى، وعيونهم ملتصقة بالصمغ إلى الأرض وكأنهم يخافون من سقوط نجمة ما عليهم...
قليل جداً من الناس يحبون النوم تحت السماء المرصعة بالنجوم... بسبب الخوف من الظلام أو الوحدة أو الفراغ الواسع...
وملايين من الناس يحملون شعوراً عميقاً دائماً، بأنهم لو بقوا وحيدين، لو أنهم لم يهتموا أبداً بالحب والزواج.... لكن الآن لا يمكن عمل شيء.. لا يمكن العودة للخلف وضغط زر التراجع للعودة إلى حياة العزوبية.
وفي الواقع، قد تكون أصبحت معتاداً جداً على السجن، لدرجة أنه لا يمكنك تركه... مثل المساجين في سجن الباستيل في فرنسا...
السجن نوع من الأمان، مريح، رغم أنه تعيس...
غطاؤك مهترئ.. لكن السرير المزدوج... على الأقل لستَ وحدك في تعاستك وهناك شخص يشاركك فيها دائماً...
لكن الحقيقة هي: شخص ما يصنع لك التعاسة وأنت بدورك تصنعها له.
الحب عندك يجب أن يكون من النوع الذي يعطي الحرية، وليس سلاسل جديدة لك...
حبٌّ يعطيك أجنحة ويساعدك لكي تحلّق عالياً في الأجواء بأعلى ما تستطيع...
أما إذا صار الرجل والمرأة كياناً واحداً بالحب
لا ينفصلان ولا يتمايزان...
فهذه أعظم جائزة ينالها الإنسان
كتاب مرداد هو من الكتب التي ستعيش للأبد، طالما هناك إنسان واحد على قيد الحياة على هذه الأرض... لكن الكاتب قد نُسي تماماً... مرداد هو مجرد اسم لبطل خرافي والكاتب هو ميخائيل نعيمة ولا يهم اسم الكاتب. كتابه عظيم وأعظم منه... حاول طيلة حياته أن يكتب شيئاً مماثلاً وفشل رغم كتابته عدة كتب.
إذا فهمنا الحب كلقاء بين روحين... ليس مجرد لقاء جنسي بيولوجي بين الهرمونات الذكرية والأنثوية، عندها يمكن للحب أن يعطيك أجنحة عظيمة، يمكن أن يعطيك بصيرة خارقة في الحياة... ويمكن عندها ولأول مرة أن يصبح الحبيبان أصدقاء... وإلا الحالة المعتادة الدائمة أنهما عدوان متنكران.
الأديان وما يسمى برجال الدين الذين زهدوا وهربوا من الدنيا، الجبناء الغير قادرين على مواجهة الحياة، سمّموا كامل فكرة وهدف الحب: الحب هو الله وأن دين الحب هو الدين الوحيد... لقد أدانوا الجنس، ومع إدانتهم للجنس أدانوا أيضاً الحب، لأن الناس يفكرون أن الجنس والحب لهما نفس المعنى.
ليس لهما نفس المعنى أبداً... الجنس هو جزء صغير جداً من طاقتك الحيوية... والحب هو كيانك بكامله وكل أجزائه، الحب هو روحك...
عليك أن تتعلم أن الجنس هو ببساطة حاجة للمجتمع والعرق البشري ليتجدد ويستمر... يمكنك أن تشارك به إذا أردت، لكن لا يمكنك أبداً تجنب الحب.
في اللحظة التي تتجنب فيها الحب، يموت كل الإبداع عندك وتصبح كل حواسك معطلة، ويتجمع عليك الغبار من كل الجهات.... وتصير الميت الحيّ!
نعم، تتنفس وتأكل وتتحدث وتذهب إلى عملك في المكتب كل يوم إلى أن يأتي الموت ويحررك من الملل الذي حملته طيلة حياتك.
إذا كان الجنس هو كل ما لديك، فأنت لا تملك شيئاً... أنت بهذا لست إلا أداة في يد الطبيعة لأجل التكاثر... مجرد مكنة أو مصنع للأولاد...
لكنك إذا استطعت تخيل وإدراك أن الحب هو كيانك الحقيقي، واستطعت أن تحب شخصاً آخر كصداقة عميقة، كرقصة مشتركة بين قلبين، بتزامن وتناغم وكأنهما قلب واحد، عندها لا تحتاج لأي دين آخر... لقد وجدتَ دين الفطرة وقد نبع فيك.
الحب يوصل المرء إلى أعظم وأسمى تجربة... سمّها الله، المطلق، النور، الحقيقة... هذه مجرد أسماء.. وفي الواقع، التجربة العظمى ليس لها اسم... 99 اسم وأبعد من الأسماء والكلمات، لكن الحب يوصل إليها.
إذا كنت تفكر فقط بالجنس ولم تدرك وتنتبه لوجود الحب، فأنت تهبط كالماء في المصرف... نعم ستجلب أطفالاً وستعيش في تعاسة وستلعب بورق الشدة وتذهب لمشاهدة أفلام السينما ومراقبة مباريات كرة القدم وستحصل على تجارب عظيمة من التفاهة المطلقة والملل والحرب وكل سلبيات الحياة... لكنك لن تعرف أبداً الجمال الحقيقي للوجود، الصمت والسلام الحقيقي للكون...
الحب يمكن أن يجعل ذلك ممكناً... لكن تذكر، الحب لا يعرف أي حدود...
الحب لا يمكن أن يكون غيوراً لأنه لا يمكن أن يمتلك.
هذا شيء بشع... مجرد فكرة امتلاكك لشخص ما لأنك تحبه....
عندما تمتلك شخصاً ما، فهذا يعني أنك قتلته وحوّلته إلى سلعة.
الأشياء فقط يمكن أن تُمتلك...
أما الحب فيعطي الحرية للآخر...
والحب هو الحرية وهو العذرية...
الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية
عندما تحب كل شيء لن تتعلق بأي شيء
...إذا صار الرجل سجيناً لحب المرأة
...وإذا صارت المرأة سجينة لحب الرجل
عبودية السجين لا تليق بتاج الحرية الثمين
أما إذا صار الرجل والمرأة كياناً واحداً بالحب
لا ينفصلان ولا يتمايزان...
فهذه أعظم جائزة ينالها الإنسان
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
أربع خطوات للحب
3:09 ص |
تعديل الرسالة

هناك نوعان من التسليم والاستسلام
الأول هو استسلام الضعفاء الأذلاء
أي عندما تكون مجبوراً ومقهوراً وعليك أن تستسلم
وهذا شيء بشع، لا تسمح له أبداً بالحدوث...
من الأفضل أن يموت المرء على أن يستسلم بالقوة.
لكن هناك نوع آخر مختلف تماماً من الاستسلام،
لا تكون فيه مجبوراً بل هائماً مسروراً
راغباً ببساطة بالاستسلام ومستمتعاً بهذا الذوبان...
وهذا هو الحب...
عندما تشعر من تلقاء ذاتك بالانصهار والاندماج والاتحاد
مع شخص ما أو مع الوجود.
طبعاً، الحب يبدأ دائماً كعلاقة وارتباط... وهذا شيء طبيعي.
أول خطوة من الحب هي العلاقة...
وثاني حالة هي التواصل...
وهناك فرق شاسع بين الاثنين.
في العلاقة تقوم باستثناء كل الناس وتركز على شخص واحد...
تركز كل أحاسيسك واهتمامات قلبك عليه...
لكن كل تركيز يؤدي إلى حبس الحبيب العزيز!
البداية بهذا الحب المقيّد أمر مقبول،
لكن على المرء ألا يستمر بالعيش في الحبس والجِبس...
الحب يبدأ كسجن، كعلاقة أحادية خصوصية بين شخصين...
كلاهما مساجين وسجّانين...
كل شخص مسجون بالآخر وفي ذات الوقت يسجنه أيضاً...
لعبة جميلة! لكن عليك ألا تبقى هناك لكي لا تضيع حياتك.
على المرء أن يتعلم الدرس بحُلوه ومرّه، بجماله وبشاعته...
ثم يجب رمي البشاعة والاحتفاظ بالجمال...
وهذا هو التواصل:
أن ترمي كل شيء بشع في الحب والعلاقات،
مثل الاستملاك والتقييد والتخصيص والتحديد
والسيطرة والشك والوعد والوعيد،
أي كل جهد لقتل حرية الآخر...
عندما تتخلص من كل هذا ويصبح حبك مجرد تواصل،
أقرب إلى الصداقة أكثر من العلاقة،
يمكن أن يكون عندك عدة أصدقاء، وعدة أحباب أيضاً...
وعلى المرء أن يبدأ بالنمو والسمو من واحد إلى عدد أكبر،
لكن هذا أيضاً ليس الهدف.
الحالة الثالثة هي عندما يكون الحب مجرد صفة...
لستَ متعلقاً بشخص ولا بعدة أشخاص...
الحب هنا يشبه التنفس... صار طبيعتك الدائمة...
لذلك أي شخص يتواصل معك سيصله حبك.
هذه هي الحالة الثالثة وقليل جداً من الناس وصلوا إليها..
وهناك حالة رابعة وصل إليها قليل جداً جداً جداً من الناس
يمكن عدهم على الأصابع.
الحالة الرابعة تكون عندما يكون كيانك كله حب...
ليس صفة بل صار وجودك ونبض حياتك...
ونيستَ كل شيء عن الحب!
لقد أصبحت الآن حباً نقياً.. لذلك لا حاجة لتذكره...
وهل يُذكر إلا الغائب؟...
أنت الآن تتصرف انطلاقاً من الحب، ببساطة وطبيعية وعفوية...
في هذه النقطة الرابعة يستسلم المرء للوجود وتزول الحدود.
في البداية تستسلم إلى شخص، لكن هناك شرط::
عليه هو أيضاً أن يستسلم لك... لذلك الاستسلام هنا ليس كلياً.
في الحالة الثانية تستسلم لعدة أشخاص،
وهي أفضل من الأولى لأن الاستسلام فيها ليس مركزاً،
فيه حرية أكثر، وقد نمت له أجنحة وأبعاد جديدة.
في الحالة الثالثة أنت ببساطة مستسلم للوجود،
للأشجار والجبال والنجوم وكل ما هو موجود.
في الحالة الرابعة تصير أنت الاستسلام بحد ذاته....
وهنا الحب والاستسلام لهما نفس المعنى والمضمون...
وهذه هي حالة الاستنارة والوصول الأعلى..
التي وصل إليها الأنبياء والأولياء.
لا شيء أعلى من هذا... ومَن حقق هذا حقق كل شيء...
حقق غاية حياته الأسمى...
اكتفى وامتلأ قلبه بالرضى...
لقد وصل إلى البيت والمثوى...
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
الحاجة إلى الحب
3:07 ص |
تعديل الرسالة

هناك نوعان من الوِحدة عند الإنسان:
الأولى وحدة فيها نقص وانعزال
والثانية وحدة فيها اكتفاء وجمال
إذا لم تحب أبداً في حياتك، وقررت الهرب والانتقال
ستعيش في نقص وانعزال
ستشعر بجوع شديد للآخر
لأنه غائب ودائماً مطلوب في البال
ربما هذا هو السبب الذي دفع كثيراً من الناس الذين لم يحبوا جيداً
إلى تخيّل الله كشخص... وبدؤوا يتحدثون مع خيال
ينشغلون بشخص ما... كتعويض للانعزال...
لكن هذه أوهام وأحلام...
وإذا أردتَ الحقيقة لا بد أن تستيقظ في الحال
على المرء أن يصل إلى نقطة لا يحتاج فيها إلى الآخر
وهذا لا يعني أنه عندها لن يحب...
في الواقع، فقط هذا النوع من الناس يمكن أن يحب
لكنه عندها سيحب من فيض ومشاركة
لن يكون الحب حاجة
بل على العكس، سيكون المرء ممتلئاً وفائضاً
لا يمكنه إلا أن يشارك...
وعندها سيبحث عن ناس يرغبون بتخفيف الأحمال
ومساعدة قلبه في رمي الأثقال
أعظم عاشق هو الذي اختفت حاجته للحب
امتلأ واكتفى وفاض بالكمال
وصار زهرة تفوح وشلالاً ينهال
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
أين ذهب الحب ؟
3:04 ص |
تعديل الرسالة

يأتي الطفل إلى هذه الحياة وهو غير مرغوب ولا مطلوب... لأن الأم منذ البداية مترددة في حمله وولادته... كان هناك توتر وقلق، والطفل يشعر بأحاسيس وأفكار أمه.
عندما تفكر الأم بالإجهاض، يشعر الطفل بالتهديد والخوف.. إنه جزء من جسم الأم وكل ذبذبة تنتقل إليه... وسيرجف لأنه معلق بين الحياة والموت...
بعدها سيولد الطفل بطريقة ما، وتظن الأم أن الحمل حصل صدفة أو خطأ، لأن الأهل استخدموا موانع الحمل بأنواعها لكنها فشلت والطفل قد ولد الآن، لذلك عليهم تحمله.
هذا التحمل ليس حب!... لذلك نجد أن الطفل يفتقد إلى الحب منذ أيامه الأولى... والأم أيضاً تشعر بالذنب لأنها لا تعطي ما يكفي من الحب... الطبيعة أعطتها كثيراً لكنها لا تستطيع تقديم إلا القليل... لذلك تبدأ بالتعويض والتبديل: تجبر الطفل على الأكل الكثير.
إنها لا تستطيع ملء روح الطفل بالحب، لذلك تحاول ملء جسمه بالطعام... بديل عن الأصيل... وراقب ما يحدث بين الناس.
الأمهات مريضات نفسياً، الطفل يقول: "أنا لستُ جائعاً"... لكن أمه تستمر بإجباره وحشوه... لا تستمع أبداً لرأي وإحساس الطفل...
الأم تعوض النقص: لا تستطيع إعطاءه الحب لذلك تعطيه الطعام...
بعدها يكبر الطفل: لا تستطيع إعطاءه الحب لذلك تعطيه المال...
وهكذا يصبح الطعام والمال بديلاً عن الحب ولهذا وصلنا إلى هذه المصيبة.
والطفل أيضاً يتعلم أن المال أهم من الحب... إذا لم يكن في قلبك حب فلا شيء يدعو إلى القلق أبداً، لكن عليك دائماً أن تعمل بجهد جهيد لتحصل على المال.
يكبر الطفل ويصبح طماعاً كبيراً... يركض وراء المال مهووساً وعابداً له... وصار بنا كما قال ابن عربي معبودكم تحت قدمي... وبعد أن قتلوه اكتشفوا أن تحته جرة من الذهب.
لن يهتم الطفل أبداً بالحب، لكنه سيقول: "الأشياء الأهم أولاً، يجب أن أحصل على منزل وسيارة وحساب كبير في البنك، وعندها فقط يمكنني أن أحب وأتحمل تكاليف الحب".
لكن الحب ليس بحاجة لأي مال! تستطيع أن تحب كما أنت مهما كان حجم جيوبك!
المهم هو حجم قلبك....
وإذا كنتَ تعتقد أن الحب يحتاج إلى مال وبدأت تركض وراءه، يوماً ما ستحصل على المال يا رجل الأعمال لكنك فجأة ستجد أنك فارغ... لقد ضاعت كل هذه السنين في تجميع المال... ولم تضع السنين فحسب، بل مضت كلها دون أي اختبار للحب.
والآن المال موجود أمامك لكنك لا تعرف كيف تحب...
لقد نسيتَ لغة القلب والإحساس والرفق...
لغة الحب والنشوة والعشق...
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
الخـــوف و الحـــب
2:47 ص |
تعديل الرسالة

لماذا أشعر بالخوف عندما أشعر بالحب؟
هل أنا خائف من الحب؟
...سؤالك يُظهر بوضوح أنك تستمر بتقسيم الأشياء وتصنيفها:
هذا حب، هذا خوف، وهذا غضب.. والآن لمجرد التغيير: لا تصنف أو تفصل ولا تُسمّي أي شيء... كل شيء يظهر فيك هو جزء من كيانك المتكامل.
لقد ظهر التقسيم لأنك كنتَ دائماً تُدين وتستنكر بعض الأجزاء وتمدح وتعظّم أجزاء أخرى... طبيعياً، الأجزاء المُدانة يجب كبتها أو على الأقل منعها من الظهور، أما الأجزاء ذات القيمة والتقدير والاحترام فيجب أن تظهر باستمرار لكي تبني شخصيتك.
لقد صنعَ هذا انفصاماً فيك لا تستطيع معه أن تحب ولا أن ترقص أو تغني مع نغمات الحب.... في الاحتفال بأي شيء ستحتاج لكامل كيانك منسجماً وحاضراً مع الحضرة، لا مشتتاً ممزقاً بين فكرة وفكرة.
خوفك ببساطة هو إشارة إلى أن الحب سوف يذوبك ويمتصك في بحره العميق.. فترتجف الأنا عندك.
الأنا تخاف... لأنك من جديد سوف تسقط في فراغ مجهول.. لذلك يسأل الفكر:
"هل تعلم أنك تغوص في منطقة مجهولة الحدود والعنوان؟ هل بإمكانك إيجاد طريق العودة إلى هويتك وذاتك بعد هذه الرحلة والمغامرة؟"
الحب يذوّب الهوية والشخصية... في الحب لا يوجد أنا ولا يوجد أنت... الحب فقط هو الموجود في الوجود....
الحب يأتي كنسمة بريّة تحصد معها كل ما زرعتَه داخلك من صفات وشخصيات ومواصفات قياسية... وتتركك كصمتٍ طاهر وسكينة نقيّة... لا تستطيع حتى أن تقول "أنا"... حتى هذه الكلمة ستشوّش الحالة...
هناك حضور قوي عندك، لكن لم يبقَ أي شخص حاضر... وهنا يحدث شيئان:
لبّ كيانك العميق ينتظر طعم الفناء... بهجة الاندماج في اللقاء والذوبان في الفضاء.... لكن شخصيتك موجودة بالمرصاد! فتقوم فوراً بصنع الخوف دون سبب معروف.
عليك أن تفهم أن هذا الخوف شيء طبيعي لأن مجتمعك وثقافتك وتربيتك قد فرضت شخصية تحيط بك طوال الوقت... هذا ما نفعله جميعاً في هذا الجهل... نحمل ما نسمّيه "ديناً" وثقافة وشهادات وألقاب لكي نصنع هذه الشششخصية... ولا نعلم أنها مخصية، تبدأ فوراً بالخوف والارتجاف.
هذه الشخصية بالذات هي الشيء الذي يدمر الحب...
الأزواج يقولون أنهم يحبون زوجاتهم والزوجات تقول نفس الشيء... الأهل يقولون أنهم يحبون أولادهم ويفرضون على الأولاد أن يقولوا نحبكم يا أهلنا... والمدرّسين يقولون أنهم يحبون طلابهم.... في كل زاوية وبقعة من بقاع العالم كل شخص يقول أنه يحب.
لو كان هذا صحيحاً... لو كان كل شخص محبوباً من عدة أشخاص بعدة أشكال لكان هذا العالم عالماً مختلفاً تماماً... ما هذا العالم المجنون الذي نعيش فيه ونصنعه كل يوم؟... كل يوم هناك تحضير للحرب... والعالم مقسوم إلى عدة دول متصارعة.
عادةً نفكر أننا أحرار... لكن فكرة الحرية هذه سببها أن السجن كبير جداً.. بلدك بكامله هو سجنك... فقط حاول الخروج من الحدود وستدرك فجأة أن الحرية كانت مزيّنة ومزيفة... حتى الطيور أكثر حرية منك لأنها ليست بحاجة لحمل جواز السفر والسماء كلها ملكها... ونحن البشر لسوء الحظ لا نمتلك كل العالم مع أننا خليفة الله على الأرض وأرقى المخلوقات.
وكذلك الأديان المنتشرة التي لا علاقة لها بأي نبي أو حكيم أو إله، كلها تقول لك أن الدين عندك هو الدين الحقيقي الأفضل والوحيد في العالم... لكن لم يبقَ من الإسلام إلا اسمه ومن القرآن إلا رسمه... انظر كيف عاش الأنبياء والخلفاء وكيف نعيش نحن الآن في هذا البلاء... ستجد أنك غير مدرك للآلية الأساسية التي تعمل وراء هذا: كل هذه الأشياء مصنوعة بالجهل لكي تغذي الأنا، وتنقلك من جوهر كيانك.. مركزك الحقيقي... إلى مركز آخر مزيف مصنوع بعدة طرق ومتراكم عند الجميع منذ أزمان وأزمان...
الحب يشكل خطراً كبيراً على الشخصية... فترتعب الشخصية وترتجف... لكن المشكلة أن أعماقك تنتظر الحب بلهفة وشوق... سجينة في زنزانة معتمة وتنتظر نسمة من الخارج... تحمل إليها شيئاً من العطر والسحر... وربما تحمل معها أيضاً زقزقة العصافير وبعضاً من خيوط الشمس... وأنت في مأزق وورطة بين اثنين:
شخصيتك المتجمدة الخائفة، وروحك المتلهفة الهائمة... التي تنتظر بشوق لحظة حدوث الحب.
يا صديقي... تحتاج لأن تقرر وبحزم رمي الشخصية تماماً...
إنها شيء دخيل وغريب ومزيف...
فقط كُن وعياً ونوراً صافياً...
هذه هي طبيعتك على صورة الله ومثاله...
وعندها سيزول كل صراع وكل خوف...
بالتأكيد الحب يصنع خوفاً عظيماً... لأننا تربّينا لكي نكره.
كل تربيتنا وتنشئتنا مضادة للحب... لكن الآلية خفيّة وقليل جداً من الناس يدرك هذه المصيبة... الهندوسي يكره المسلم، المسلم يكره المسيحي، والمسيحي يكره اليهودي... كل الأديان والطوائف تكره بعضها البعض... وكذلك المؤمن يكره الملحد، والملحد يكره المؤمن.... جميع الأيديولوجيات السياسية مبنيّة على الكراهية: الشيوعيون يكرهون الفاشيين، والفاشيين يكرهون الاشتراكيين وهلمَّ جراً... كل دول العالم وتقسيماتها جذورها مغمورة بالكراهية وكلها تكره بعضها البعض.
هذا العالم بكامله مليء بالكراهية... دمك وعظمك وحتى نقيّ عظمك مليء بها... حتى لو أحياناً ظهرنا متحدين، لن نكون إلا متحدين ضد شيء ما... ضد عدو مشترك مثلاً وإلا فلا يوجد أي اتحاد أو تعاون... وهذا ليس اتحاداً ناتجاً عن حب!
تعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان....
أدولف هتلر كان منتبهاً لهذه النفسية بين الحشود، وقد كتب في مذكراته: "إن الناس لا يتحدون بسبب الحب... الحب ليس لديه أي طاقة أو أثر عليهم، بل كل القوة تأتي من خلال الكراهية... لذلك اصنع فيهم الكراهية تجاه شيء ما وسوف يتحدون".
أستطيع تماماً فهم وجهة نظره وعمق نظرته... أحياناً المجانين يقولون بعض الحِكم!... هذه فعلاً رؤية عميقة وصحيحة في النفسية المسيطرة على الناس والحشود... ويقول هتلر في مكان آخر: "إذا أردتَ بلدك أن يكون مستعداً ومتهيئاً ومتيقظاً، فاجعل الناس دائماً ممتلئين بالخوف من أنهم سيتعرّضون للهجوم، أن الحرب اقتربت وهي تطرق الطبول والأبواب، وأن كل الدول المحيطة بهم هي عدو متربّص ينتظر فرصةً للانقضاض.... سواء كانوا أعداءً أم لا، لا يهم... إذا كانوا أعداء فهذا جيد... وإذا لم يكونوا أعداء فاخترع الأكاذيب والدعايات والإشاعات أنهم أعداء خطيرون.. عندها فقط سوف يتحد بلدك ويتماسك".
يبدو أن هذا العالم بكامله يعيش على الخوف والكراهية...
لقد كان الحب ولا يزال يُدمّر باستمرار... وعبر آلاف السنين تم شلّ الحب فيك وتسميمه... لهذا عندما ينبع الحب فيك ستجد أنك مُشفر بكاملك لكي تمنعه وتكبته كأنه عدوك اللدود... ولهذا يسبب الحب لك الخوف والرجفان، أنت وكل إنسان...
إذا كان حباً مزيفاً فلا يوجد مشكلة وتستطيع السيطرة على الوضع... لكنه إذا كان حباً حقيقياً صادقاً فعندها حتماً سترتعد أوصالك خوفاً منه، كما لو أنك ستُرمى في نار ملتهبة.
الحب هو طبيعة الإنسان ونبض قلبه وفطرته... وبدون الحب لا يمكن لأحد أن ينمو وتتفتح أزهار حياته... لا يمكن لأي أحد أن يشعر بالرضى والاكتفاء... والله لا شيء سوى أعظم تجربة من الحب.
حبك مزيف... ولا تستطيع حمل ومعالجة إلا الحب المزيف لأنه لا يسبب لك أي خوف... لذلك الله الذي في فكرك مزيف أيضاً... الإله الهندوسي.. الإله المسيحي.. الإله اليهودي.. الإله المسلم... كلها آلهة وأصنام فكرية مزيفة...
وإلهكم إله واحد... لا إله إلا الله...
هل يمكن للحب أن يكون هندوسياً؟ هل يمكن أن يكون مسيحياً؟ يهودياً؟ مسلماً؟
كل شيء مزيف يمكن التحكم به... الزواج يمكن التحكم به أما الحب فلا....
إذا أردتَ البقاء ضمن نطاق السيطرة على نفسك، فاستمر باللهو بالألعاب والدمى وعندها الأشياء الحقيقية في الحياة لن تكون لك......
يجب أن تكسر كل الألعاب... لقد لعبتَ بالألعاب طيلة حياتك ولم تنضج حتى الآن... ولا تزال طفولياً.
وتذكّر.. أن تكون طفولياً أمر بشع، لكن أن تكون مثل الطفل: ظاهرة مختلفة تماماً.
الطفولي يعني البالغ جسدياً لكنه معاق عقلياً ونفسياً والذي يستمر باللعب بالدمى وزوارق الورق وقصور الرمل.
إذا نضج المرء فعلياً وتكامل كيانه فسيشبه الطفل... إنْ لم تعودوا كالأطفال فلن تدخلوا ملكوت الله... ببراءة الطفل، بحيرته ودهشته وأحاسيسه الرقيقة تجاه كل ما يحيط به...
الناضج سيكون حساساً جداً لدرجة أن كل حياته ستصير نهراً دافقاً من الحب....
إنك محاط بعالم جميل مليء بالبركة والنعمة... إذا كان قلبك جامداً لا يرقص معه فلا بد أنك ميت... لا بد أنك تعيش كالجثة في القبر بانتظار تحللها...
إنني أحاول سحبك من قبرك!... لقد عشتَ طويلاً في القبر... القبور أماكن مريحة جداً، وفي الواقع لا يوجد أي مكان مريح أكثر من القبر.
لا شيء يحدث في القبر.. لا يوجد خوف لأنه لا يوجد موت سيحدث يوماً ما... لا يوجد مرض ولا تعب ولا شيخوخة... لا يمكن لأحد أن يغشك ويخدعك... لا يمكن أن تُفلس أو تخسر رصيدك في البنك... حياة القبر كلها أمان وضمان.
الحياة الحقيقية غير مضمونة ولا مأمونة... الحياة مخاطرة... فتعلّم كيف تكون حياً... كيف تعيش الخطر والمخاطرة بمواجهة لا بهروب... هذه هي الطريقة الوحيدة لكي تحيى.
إذا أردتَ أن تعيش براحة وأمان فهذا ببساطة يعني أنك ترغب بالموت وتريد الانتحار.. أنك جبان وهربان...
الحب هو موت للأنا... لذلك الخوف.
اقبَله.. ادخل فيه وواجهه... وسوف لن يؤذيك أبداً...
على العكس سيساعدك... سيجعلك أقوى من أي لحظة ماضية...
إذا استطعتَ اختراق الخوف بيقظة فسوف يختفي الخوف...
وستخرج أنت من النار الحامية مثل قطعة ذهب صافية....
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
بـــدر و بــحر
2:39 ص |
تعديل الرسالة

هناك حب بين الرجل والمرأة... يفيض بالحماس والحرارة والمتعة...
وهناك حب بين التلميذ والمعلم... يغوص بالاستسلام والهدوء والحكمة...
وهناك إمكانية ثالثة لأفنى وأكون كياناً من الحب... في كل لحظة وفسحة...
هل الحب شيء يتغير باستمرار في الإنسان...
يأتي ويذهب، ويحمل مختلف الأشكال والألوان...
أم أن الحب ببساطة هو كل شيء يكون في كل زمان ومكان؟
يا صديقي... الحب الذي يأتي ويذهب ليس إلا انعكاساً للحب الحقيقي.
البدر مكتمل في السماء وتنعكس صورته في البحيرة الهادئة... الانعكاس يشبه البدر تماماً، لكنه يمكن أن يتشوش بسهولة بمجرد مرور نسمة خفيفة... فيتشتت إلى آلاف القطع الفضية التي تملأ كل البحيرة، بعدها عندما تعود البحيرة إلى هدوئها يظهر البدر من جديد.
لكن القمر الحقيقي الموجود في السماء لا يتعكر بالرياح ولا بالعواصف والعواطف في الفصول... حتى أنه يبقى موجوداً في النهار بالرغم من أنك لا تستطيع أن تراه بسبب نور الشمس القوي.
الحب هو الحالة ذاتها بالضبط... الحب الحقيقي هو فقط أن تكون حبّاً... نبعاً يفيض بالحب... إنه ليس علاقة أو تعليقة، بل هو ذاتك وحالك في الحقيقة.
ليس له أي علاقة بأي شخص محدد، بل أنت ببساطة مليء بالحب...
يمكن للكثيرين أن يشاركوا به، ويمكن لأي عطشان أن يروي ظمأه منه....
هذا الحال من التجلي بالحب هو قمّة الوعي الأعلى والأسمى.. يمكن أن نسميها حالة اليقظة أو الاستنارة بنور الله المحبة والرحمة... حالة كل أولياء الله والعارفين والسالكين.
وما أُرسلتُ إلا رحمةً للعالمين...
شخص مثل النبي أو المسيح أو بودا أو الحلاج لا يحبّ... بل هو حب!
إنه لا يقوم بأي عمل.. بل حضوره وحضرته تشعّ بالحب...
هذا الحب ليس موجّهاً إلى أي شخص محدد، لا لأي طائفة أو أتباع أي دين محدد ومقيّد، بل هو عطاء لا محدود مثل نور الشمس الذي ترسله إلى كل جهة وزهرة وشجرة... حبٌ يصل إلى كل شخص حاضر لاستقباله والشعور بجماله.
الحب كحالة داخلية ما هو إلا إمكانية متاحة لأي مريد يريد فيأخذ ويزيد......
يمكنك أخذ ما تشاء حتى أكثر مما يشاء... يمكنك ملء ذاتك بقدر استطاعتك...
نبع الحب غير محدود.. يفيض باستمرار ولا يمكن أن تحبسه السدود...
إنسان في هذا الحال.. حتى لو كان جالساً لوحده يستمر بإطلاق أنوار الحب...
وهذا الحب ينعكس بأنواع مختلفة وملونة لكنها كلها ليست إلا انعكاسات في المرآة.
الحب بين الأصدقاء: يمكن أن يظهر بعدة أشكال لكنها دائماً متغيرة... ولا بدّ أن تتغير لأنها مجرد انعكاسات.. خيالات... وزوالها يجلب الكثير من التعاسة.
عندما تنعكس صورة القمر في البحيرة هناك فرح وجمال.. وعندما تتبدد بالرياح أو بمجرد حجرة صغيرة ترميها في الماء، يزول كل شيء ويتبعثر...
وأنت تعلم من تجاربك أن علاقات الحب مع الأصدقاء، مع الأزواج والزوجات، مع المعلمين وإخوة الطريق، كلها أشياء رقيقة مرهفة وخفيفة... أي شيء صغير يحدث وستجد اختفاء كل الحب... والحب لن يختفي فحسب بل سينقلب إلى ضده!
الأصدقاء سيتحولون إلى أعداء، الزوج والزوجة لا يحتاجون لأن يتحولوا لأنهم أعداء من الأساس، التلميذ سيخون ويبيع معلمه وهكذا... نحن نعرف ونختبر كل هذه الأشكال من الحب وهي كلها مشروطة.
حتى حب الأهل لأولادهم مشروط: إذا أطعتهم باستمرار ولم تتمرد وتقفز في الدار، وإذا كنت ستصير كما أرادوا لك أن تصير: سيحبّوك كثيراً... أما إذا سلكتَ طريقك الخاص بك، سنجد أن الأهل يمكن حتى أن يهجروا أولادهم ويتبرؤوا منهم ويحرمونهم من الميراث.
لكن هذه الانعكاسات تدلّ وتشير إلى شيء حقيقي تنعكس صورته هنا وهناك.
بدون شيء حقيقي لا يمكن أن يتشكل أي انعكاس.
في الإنسان المستنير، الحب هو طبيعته وفطرته... هواء نفَسه ونبضُ قلبه...
أينما يكون يستمر كالغيمة يهطل بأمطار الخير... وهطوله غير مشروط!
لا يطلب أي شيء منك، ولذلك لا يمكن أن يتعكر أو يتكسر...
وما لم تعرف هذا الحب، فاعلَم أنك كنت ولا تزال تحلم وتفكر بالحب.
كل هذه الانعكاسات ما هي إلا أحلام، وتجلب كثيراً من التعاسة والهم والقلق، وبين بين، تعطيك بعض اللحظات من المتعة... هذه اللحظات ليست إلا عزاء وتعويضات.
الحب الأصيل هو اكتفاء ورضى كبير في قرارة نفسك... اجتماع طاقاتك في مركز كيانك... هذه الاجتماع ليس جماع أو اجتماع سياسي ولا فرق، بل هو صقل لجوهرة حياتك يصنع تحوّلاً مذهلاً في وعيك وطاقتك... عندها أينما تكون، الحب سيكون..
مع البحر والشجر... مع الجبال والنجوم والبشر.. مع الطير والحجر...
لا تستطيع القيام بأي شيء، بل الحب ببساطة سيشع منك.
لقد صار لبَّ حياتك... لا يمكنك أن تمنعه وإلا ستقتل نفسك كأنك تنتحر!
من "علاقات الحب" عندك، تعلّم شيئاً واحداً فقط: أنه لا بدّ من وجود شيء أصيل وحقيقي وأبدي ينعكس في مرايا العلاقات. وإلى أن تعرف ذلك الحب ستعاني كثيراً ولن تجني شيئاً، ستضيّع وقتك وطاقتك وحيواتك في لعبة "المحبة والكراهية" دون أي محصول.
وذلك الحب يمكن أن يُعرف لأنه قدرتك المفطور عليها، البذرة التي أتت معك منذ ولادتك، وما عليك إلا الاعتناء بها قليلاً وستبدأ بالنمو.... وقريباً ستمتلئ نفسك بالأزهار... لقد أتى الربيع وطلع البدر علينا يا سلام... وعندما يأتي مرةً لن يغادرك أبداً حتى آخر لحظة.
قصة جميلة جداً عن أحد الأولياء... كان معلماً مشهوراً وحوله كثير من التلاميذ، وقد أخبرهم أنه حين يأتي القمر مكتملاً سوف ينتقل إلى رحمة الله.
باختفاء القمر في تلك الليلة سيختفي معه...
هذا المعلم أتى إلى الدنيا بعلامات نادرة، لقد وُلد في ليلة مكتملة القمر، استنار في ليلة مشابهة وانتقل أيضاً إلى السكن الأعلى.
وهكذا أتى آلاف التلاميذ من العالم لمجرد رؤيته قبل أن يغادر... كان هناك حزن كبير لكن الناس كانوا يحبسون دموعهم ليسهلوا عليه المغادرة.
وسأل المعلم: "إذا كان عندكم أي سؤال اسألوني الآن لأنني غداً لن أكون هنا... إذا كان هناك أي سؤال في قلوبكم لم تطرحوه عليّ فاسألوني... قبل أن أغادر أريد أن يكون كل تلاميذي يقظين متفتحين، بدون أي سؤال... أريدكم أن تصبحوا أجوبة لا أسئلة والسائل هو المسؤول".
لم يسأل أحد أي شيء... فقط أحمد، أكبر التلاميذ قال:
"لقد أجبتنا باستمرار طوال اثنتين وأربعين سنة.. لم يعد لدينا أي أسئلة.. أتينا اليوم فقط لنكون بقربك عندما تذوب في الوعي الكوني.
سمعنا من الحكايا القديمة أنه عندما يموت شخص مستنير، عند مغادرته لجسده، ينتشر وعيه ليملأ الكون بالنور والسلام... نريد اليوم أن نكون بجانبك لنتذوق طعم هذا المحيط من الصحوة والمحبة".
عندها قال المعلم: "حسناً، سأودعكم الآن... سوف أموت على أربع مراحل.. أولاً سأترك جسدي، ثم سأترك فكري، ثم قلبي، وفي الرابعة سأذوب في محيط الوجود مع الموجود الأوحد".
وأغلق عينيه... وفي تلك اللحظة بالضبط أتى رجل راكضاً بسرعة وقال:
"أريد أن أسأل شيئاً كنت أؤجله طوال ثلاثين سنة!
لقد أتى المعلم إلى قريتي عدة مرات في هذه السنين، وفكرتُ دائماً أن هذه المرة سأقابل المعلم وأطرح عليه سؤالي وحالي.. لكن شيئاً أو آخر كان يمنعني واستمر التأجيل.
نعم.. هذا غباء شديد مني... مرةً يأتيني ضيف، ومرةً أنشغل بزبائن المحل، بعدها كان هناك حفل زفاف وشاركت فيه... هكذا بقيتُ أؤجل مفكراً أنه لا يوجد داعي للعجلة، عندما يأتي في المرة القادمة سأسأله... لكن أيضاً مرضت زوجتي مرة فالتهيت.. ومرضتُ أنا مرةً فبقيت في الفراش... ومرّت السنين الثلاثين.
منذ لحظات سمعت أن المعلم يموت، والآن لا يمكنني أن أؤجل أبداً ولا يوجد أي سبب يمنعني".
لكن أحمد قال له:
"أتيتَ متأخراً قليلاً... لقد بدأ المعلم رحلته الداخلية وهو الآن تجاوز مرحلتين: يمكنك أن ترى جسده في صمت مطلق وهو الآن ترك فكره... صامت بلا فكر ويغوص في أعماق الذكر... ربما يحتاج الأمر لحظات قليلة وسيترك قلبه، لأن القلب هو الأداة التي كان يستعملها دائماً ليشع حبه ونور سعادته وصمته... لا يجوز أن تشوشه في هذه اللحظة الحساسة...
كان المعلم يتكلم باستمرار طوال اثنتين وأربعين سنة، والآن هذه غلطتك أنت، لم تستطع إيجاد أي وقت خلال ثلاثين سنة لطرح السؤال".
لكن المعلم عاد.... تنفسه الذي اختفى عاد للحركة من جديد، وقلبه عاد ينبض وامتلأ الوريد... فتح عينيه وقال:
"يا أحمد... هل تريد أن تتذكر الأجيال القادمة أن محبة ذلك المعلم كانت صغيرة جداً لدرجة أنه لم يستطع العودة عن خطوتين في حين أتى إليه إنسان عطشان؟
وأنا لا زلتُ حياً.... كنتُ سأُدان للأبد... لا تمنع هذا الرجل ودعه يسأل السؤال".
كانت تلك أول مرة يرى فيها الرجلُ ذلك المعلم العظيم، وفي حالة غريبة جداً: آلاف الناس يحيطون به في صمت وعيونهم مليئة بالدموع.. والمعلم كان نصف ميت: أخذ خطوتين عبر العالم الداخلي، ومجرد خطوتين بعدها سيصبح جزءاً من الكون اللامتناهي...
لكن الإنسان المتجلي في الحب.. المصنوع منه قلباً وقالباً.. حتى في مثل هذه الحالة المحالة سيشع بالحب...
لم يستطع أحمد وكل التلاميذ أن يصدقوا ما يحصل... من أجل رجل عادي، لم يكن حتى تلميذاً، وقد أجّل سؤاله في لهو وإهمال ثلاثين سنة...... لكن حب ورحمة الأنبياء والحكماء غير محدود.... طلب المعلم من الرجل أن يسأله، لكن الرجل كان مأخوذاً بشدة من هول اللحظة وهالتها ونورها فنسيَ السؤال... وقال:
"لقد اكتفيتُ بالذرتين يا رسول الله... لقد شبعت واكتفيت واستويت... حبك هذا أجاب كل أسئلتي... كنتَ نصف ميت ومع هذا رجعتَ لكي تجاوب رجلاً عادياً من السوق كان يتجنبك طيلة ثلاثين سنة، واضعاً آلاف الحجج والأعذار"...
انحنى الرجل وقبّل يد المعلم متباركاً.. وقال:
اسمح لي أن أكون آخر تلامذتك وأرجو أن تقبلني في مدرسة رحمتك.. لقد أتيتُ لأطرح سؤالاً لكن الحال الآن أزاح كل سؤال... أمام حبك الدافي كل الأسئلة تختفي.. ولا أريد أن أفوت فرصة التبارك بك قبل انتقالك".
استقبل المعلم هذا الرجل كآخر تلميذ عنده... وسأل مجدداً:
"هل هناك أي سؤال في بالكم؟ لأن الأمر سيكون صعباً جداً عليّ... إذا تجاوزتُ المرحلة الثالثة، تركتُ القلب وانتقلت إلى الوعي الصافي، ثم المرحلة الرابعة، ستكون العودة صعبة... حتى لو أردتُ العودة فلن أستطيع. لذلك رجاءً إذا كان عندكم أي سؤال فلا تخجلوا".
قال التلاميذ: "كلنا نشعر بالحزن والأسى لأن هذا الرجل قد عكّر هذه اللحظة الهامة... ولم يكن هذا مناسباً أبداً... هذه اللحظة يجب أن تكون صامتة تماماً، بحيث إذا ذبتَ في المحيط سيصلنا شيء منك نحن أيضاً"..... قال المعلم وداعاً من جديد ودخل في المرحلة الرابعة.
القصة رمزية وفيها مغزى ومعنى... حتى لو كانت تاريخية، لكن الشرق يعرف أن الذي لا يمكن قوله بالطرق التقليدية: يمكن أن يشار إليه بالقصص والحكايا.
وتقول القصة أنه عندما انتقل ذلك المعلم، تفاجأ الناس بأن الأشجار المصفرة التي كانت تموت عادت إلى الحياة وأزهرت وأثمرت في غير فصلها المعتاد.... كان هناك أثر عظيم لموته... الناس الذين عاشوا معه عشرات السنين ولم يستنيروا، استناروا في تلك اللحظة بالذات...
عندما تخلّى عن الجسد وتحرر وعي الساجد انتشر في الكون كله... لهذا أي شخص حاضر لاستقبال الموجة سيتلقى هذا النور ويتنوّر أيضاً.... حتى الأشجار لم تكن غافلة.
قبل موته كانت الطيور صامتة... وعندما مات بدأت تغرد وتحتفل...
في أي لحظة يموت فيها إنسان مستنير، يشعر العالم كله بأمطار الحب... بأمواج الوعي والصحوة... بأنوار السلام والسعادة.
لذلك لا تضع وقتك كله في الانعكاسات رغم جمالها وأهمية دورها... إنها إشارات مهمة مثل الأصابع تشير إلى القمر الحقيقي... فاستخدم الانعكاسات لإيجاد حقيقة الآيات...
وسوف تنتقل من هذا العالم المجنون إلى بيتك الداخلي المكنون... من دار الممر إلى دار المقر... هنا والآن....
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
لماذا يؤلمنا الحب و يعذّبنا؟
2:35 ص |
تعديل الرسالة

الحب يؤلمنا لكي يعلّمنا....
الحب يؤلم ويعذّب قلب كل حبيب وعاشق....
لأنه يشق الطريق إلى السعادة والفرح الفائق...
الحب يؤلم ويوجّع لأنه يُغيّر الحال ويقطع الأوصال...
إنه طفرة خطيرة لم تكن أبداً في الحُسبان والبال...
وكل تحويل فيه ألم كبير مثل ألم القتيل...
لأنك تتركُ القديم من أجل الجديد المستحيل...
والقديم آمن ومألوف وأليف... الجديد رهيب ومجهول ومخيف...
سيجعلك هذا تُبحر في محيط شاسع دون خريطة ودون تجديف...
في هذا الضّياع لن تستطيع استخدام فكرك أو الدماغ... الجديد يطلب منك الوَعي واليقظة، لا الحفظ والتفكير.... أما القديم يكفيه الفكر الفقير، والفكر أصلاً لا يمكنه أن يعمل إلا في الأشياء الماضية الميتة الهامدة... ولهذا يأتي خوف رهيب...
إنك تترك عالمك القديم الآمن المريح، الذي تعوّدتَ عليه واتّكلتَ عليه...
فأتى الألم والصريخ...
هذا الألم يشبه ما يشعر به الطفل الصغير عندما يغادر رحم أمه... يشبه ألم الطير عندما يخرج من البيضة... ويشبه ألمه عندما يحاول لأول مرة أن يفردَ الجناح ويطير على التيسير....
ستشعر بوَخزة ونَخزة في القلب... وخوف وقلق في الفكر...
خوفٌ من المجهول واستفقاد لأمان المعلوم...
المجهول غير مضمون ولا مأمون...
ولأن عملية التحويل هنا تحدث من حالة النفْس إلى حال اللانفْس... إلى ذوبان النفس والذات والكيان...
لهذا تجد أن المعاناة تصل إلى أعماق الوجدان...
لكن.... لا يمكنك الحصول على المحصول دون عذابٍ على الأصول... الكرب يسبق الفرَج... ودائماً إذا أراد الذهبُ أن يذهب إلى النقاء والصفاء يجب أن يمرّ في وهج النار الحامية.......
والحب أشد النار والنيران وأسطع النور والأنوار....
بسبب ألم الحب بقيَ ملايين الناس يعيشون أو يموتون حياةً خالية من أي ذرة حب... لا تعتقد أنهم مرتاحون... بل هم أيضاً يعانون... لكن معاناتهم عقيمة دون قيمة...
معاناة الحب فيها معاني واختبارات وليست عقيمة لأن فيها أعظم جوهرة وأغلى قيمة... معاناة الحب فيها إبداع الخلق والولادة في كل لحظة.... توصلك إلى مستويات أعلى من الوعي واليقظة...
المعاناة دون حب هي هدر وتبذير لا يقودك إلى أي مصير... تُبقيك تدور وتدور في حلقة مفرغة ويستمر الشخير.....
الإنسان الخالي من الحب مهووس ونرجسيّ ومُغلق على نفسه...
لا يعرف إلا نفسه... ولكن كم يستطيع أن يعرف نفسه إذا لم يكن قد عرف الآخر؟
الآخر هو فقط الذي يمكن أن يعكس نفسَك إلى نفسِك مثل المرآة...
لن تعرف نفسك أبداً دون معرفة الآخَر للآخِر...
الحب أساسي جداً لمعرفة النفس أيضاً... إن الذي لم يعرف شخصاً آخر في عمق بحر الحب وبقوّة العشق والهيام... في نشوة مطلقة سامية من الهوى والغرام... لن يكون قادراً على معرفة مَن هو... لأنه فقدَ المرآة التي تُريه انعكاس نفسه وروحه... وبقي يعيش في عالم الأحلام والأوهام...
العلاقة مع الآخر هي مرآة.... وكلما كان الحب أنقى وأعلى وأقوى، كانت المرآة أفضل وأنظف وأوضح... لكن الحب النقيّ الصادق يتطلّب منك أن تكون منفتحاً... أن تكون ليناً وهشّاً أمام رياحه العاتية...
عليك أن ترمي دروعك وأسلحتك وهذا مؤلم وأليم في الصميم...
عليك أن تطرد الحراس الذين يحرسونك ليل نهار...
عليك أن توقف فكرك وحساباته وتحليلاته والأفكار...
عليك أن تُغامر وتُخاطر وأن تعيش بخطورة مذعورة...
وهنا يستطيع الآخر أن يؤذيك، ولهذا هناك خوف من الاستسلام والتسليم للحب...
ويستطيع الآخر أن يرفضك أنت وحبك، وهذه خوف عظيم من خوض غِمار الحب...
انعكاس نفسك الذي ستجده في الآخر قد يكون فظيعاً وبشعاً...
لهذا ينبع القلق ويقول لك: اهرب فوراً وتجنّب المرآة!
لكنك يا صديقي بهروبك من المرآة لن تصير أجمل.......
بهروبك من هذه الحالة لن تنمو وتسمو فوق هذا الاختبار...
لذلك من الضروري قبول التحدّي، وإنْ خِفتُم من شيء فادخلوا فيه...
على المرء أن يبدأ بالحب... لأنه الخطوة الأولى إلى الرب...
ولا يمكنك تجاوز أول خطوة وإكمال الدرب...
هؤلاء الهاربين بالملايين من الحب والحنين... لن يصلوا إلى الله نبع الحب الأكبر ونور العالمين...
الحب أساسي وضروري جداً... لأنك لن تدرك اكتمالك وجمالك إلا إذا شعّلكَ وولّعكَ حضور الآخر بالنور.... إلا إذا نميَ وقويَ حضورك وسطعَ نورك بلقاء الآخر، فخرجتَ من نرجسيّتك وانطوائك وتقوقعك....
من غرفتك وزنزانتك المغلقة إلى السماء الفسيحة المطلقة....
الحب سماء واسعة وشاسعة... عندما تُحبّ، ستفرُد جناحيك وتطير... لكن طبعاً السماء اللامحدودة مخيفة وممدودة....
وأن ترمي "الأنا" عندك أمرٌ مؤلم جداً.... لأننا جميعاً تعلّمنا وعُلّمنا أن نُغذّي الأنا ونُنمّيها... حتى صِرنا نعتقدها الكنز الوحيد الفريد... وكنّا ولا نزال نحميها ونزيّنها... نصقلها ونلمّعها... وعندما يأتي الحب ويطرق الباب... شو يا أحباب؟؟؟
كل ما يلزم للوقوع والارتفاع في الحب... هو أن تضع الأنا على جنب...
وهذا بالتأكيد مؤلم ويجرح الشخصية والهيبة والكرامة ويكسر الرأس...
هذه الأنا المستفحلة كالسرطان هي نتاج عملك وكل حياتك ودراستك ومنصبك وشهاداتك... هذا كل ما صنعتَه بذاتك... هذه "الأنا" البشعة... أي فكرة: "أنا منفصل ومفصول ومعزول عن الوجود"...
هذه الفكرة بشعة لأنها غير حقيقية... فكرة مزيّفة وهميّة...
لكن كل مجتمعاتنا موجودة ومبنيّة على هذه الفكرة الغبيّة:
أن الشخص هو شخص، لا حضور ونور.... ونسينا أنتم نور العالم... نور من نور....
الحقيقة تقول أنه لا يوجد أي شخص في كل هذا العالَم!!!
هناك فقط حضور هائم منثور كالعطور...
وجود ونور السماوات والأرض والعوالم....
أنت غير موجود.... بل أنت وجود...
لا يوجد أنا مفصولة عن الكون بحدود...
أنت جزء من الكون والكون جزء منك... وانطوى فيك العالم الأكبر....
الكون يتنفّس من خلالك... وينبض في قلبك وأوصالك...
الحب يعطيك أول تجربة من التناغم مع شيء مختلف عن الأنا التي فيك...
الحب يعطيك أول درس ويعلّمك أنك تستطيع الرقص والانسجام مع شخص آخر... مع كائن جديد لم يكن أبداً جزءاً من "الأنا"....
إذا كنتَ واستطعتَ أن تتناغم وتترافق مع امرأة.... مع رجل... مع صديق...
إذا تناغمتَ مع ولدك أو مع أمك... لماذا لا يمكنك التناغم مع كل البشر؟
وإذا كان التناغم مع شخص واحد يعطي كل هذه الغبطة والفرح...
فماذا سينتج من تناغمك مع كل إنسان؟
وإذا استطعتَ أن تتناغم مع كل الناس... فلماذا لا تستطيع أن تتناغم مع الحيوانات والطير والأشجار؟
عندها خطوة ستقود إلى خطوة.... والخطوة تُوصل إلى الجَلوة....
الحب سلّم.... يبدأ بشخص واحد وينتهي بالأحد الواحد...
الحب هو البداية.... والله هو النهاية...
الخوف من الحب ومن آلامه المُتعاظمة سيُبقيك مسجوناً في زنزانة مظلمة... وهذا هو الإنسان الحديث المسجون في الظلام والحديد...
النرجسيّة هي الهاجس الأعظم للفكر الحديث الغير واعي... والهاجس يجلب عدة هواجس ومشاكل دون معنى ودون داعي....
هناك مشاكل فيها إبداع واكتشاف وكَشف... بلاء وإشارة وجَلاء... لأنها تقودك إلى وَعي أعلى وأسمى... وهناك مشاكل لا تقودك إلى أي مكان... بل ببساطة تُبقيكَ مربوطاً ومحدوداً في حيرتك وتشويشك الذي تحمله معك من زمان...
الحب يصنع المشاكل... الحب أبو المشاكل!! ومِن الحب ما قَتَل....
تستطيع تجنّب تلك المشاكل بالهَرب من درب الحب...
لكن هذه المشاكل أساسية وضرورية جداً للحياة والممات...
عليك أن تواجهها وتلاقيها ملاقاة... عليك أن تعيشها لتخترقها ثم تتجاوزها فتكتشف المكافآت...
ودائماً طريق التجاوز يمرّ خلال المشكلة ولا يقفز فوقها هارباً....
الحب هو الشيء الوحيد الحقيقي في الحياة... الوحيد الذي يستحق منك الاستحقاق... وما عداه كل الأشياء ثانوية قليلة الأهمية... إذا كانت تساعد الحب فلا بأس منها وعليها... كل أمور الحياة هي مجرد أدوات... كلها لخدمة الحب الذي هو نهاية بحدّ ذاته وبداية اللانهاية... فلا تهتم بأي ألم، وادخل في الحب وعالم الأحباب...
إذا لم تدخل في الحب، كما قرر ملايين الناس، ستبقى معلّقاً مربوطاً بنفسك...
ولن تكون حياتك رحلة حج ونمو وعطر.... لن تكون حياتك نهراً يسير إلى البحر...
بل ستكون بِركة ومستنقعاً راكداً ونتناً، وقريباً لن يبقى فيها إلا الوسخ والوحل.
لكي يبقى المرء نظيفاً، عليه أن يستمرّ وينهُر ويتدفق باستمرار....
وهذا هو النهر الحي المتدفق أبداً.... وجريانه هذا يُبقيه عُذريّاً طاهراً اليوم وغداً...
كل العاشقين عُذريّين بتوليّين أنقياء وسيبقون على ذلك الصفاء...
أما الناس الذين لا يُحبّون، لا يستطيعون البقاء في الطهارة والنقاء...
عاجلاً قبل آجلاً سيصبحون هامدين جامدين... لا يوجد أي مكان يذهبون إليه... فتتحوّل حياتهم إلى موت وأنين...
هذه هي حياة الإنسان الحديث المسكين....
وبسبب هذا نجد أن كل أنواع العُصاب والاكتئاب والأمراض النفسية وأنواع الجنون أصبحت واسعة الانتشار والدمار...
الأمراض النفسية صارت تنتشر مثل الأوبئة المُعدية... قديماً من النادر أن تجد أحداً مريضاً نفسياً... الآن من النادر أن تجد أحداً سليماً نفسياً!!! وتحوّلت الأرض بكاملها إلى مشفى مجانين ويا ربّ تعين....
البشرية كلها تُعاني نوعاً من مرض العُصاب والأعصاب... يأتي من انغلاقك وجمودك النرجسيّ مع حالك....
كل شخص عالق بأوهامه الخاصة به، ويظنّ أن له نفساً منفصلة وهكذا يجنّ الناس من أول أساس... وهذا الجنون تافه بلا معنى ولا فنون ولا ولادة ولا سعادة طيلة الحياة... أو يبدأ الناس بالانتحار... وتلك الانتحارات أيضاً خالية من المضمون والمعنى يا مصون...
وقد لا تنتحر بشُربك للسمّ أو القفز من أعلى السطح أو إطلاق الرصاص على نفسك... لكنك تستطيع الانتحار ببطء شديد... وهذا ما يحدث ونراه منتشراً على كل صعيد...
قليل من الناس ينتحرون بسرعة ومباشرة... لكن الأكثرية قرروا الانتحار البطيء غير الجريء... يموتون درجةً درجة، من خلال الغذاء السيئ والتدخين والإرهاق وإلى ما هنالك من أساليب الانتحار بالتقسيط...
وأصبح الميل للانتحار منتشراً في كل الكون ويُهدد في كل لحظة بالدمار والانفجار.
هذا أسلوب للموت لا للحياة... والسبب الأساسي لهذا هو نسياننا للغة الحب.... أفلا تتذكّرون؟..... ولم تعد عندنا الشجاعة الكافية لخوض المغامرة والمخاطرة التي تُدعى: الحب.....
ولذلك...... تجد أن الناس مهتمّون ومشغولون بالجنس...
لأن الجنس ليس مخاطرة... شيء قصير مؤقت لا يأخذ منك انشغال البال والتورّط وتخربط الأحوال...
الحب انشغال واهتمام والتزام... شيء غير مؤقت... حالما تنمو جذوره يمكن أن يستمر إلى الأبد... طيلة فترة الحياة وأبعد حتى من لحظة الممات...
الحب يحتاج إلى المودّة والألفة والتقارب والحميميّة...
فقط عندما تكون في وِدّ وقُرب من الآخر يمكنه أن يصبح مرآةً لك، لترى صورتكَ واضحة ونقيّة....
عندما تلتقي جنسياً وغريزياً مع الرجل أو مع المرأة، لا تكون قد التقيتَ أبداً...
بل في الواقع تكون قد هربتَ متجنّباً روح الشخص الآخر... لقد استخدمتَ جسد الآخر وهرَبت... والآخر استخدمَ جسدَك وهرَب...
بهذا لن تتآلفَ وتقتربَ منه ولن يبوح لك بوجهه الحقيقي وروحه وأسراره الأصلية الأصيلة....
الحب أعظم الألغاز والألغام والأسرار والأنوار...
مؤلم... لكن لا تتجنّبه...
إذا تفاديتَه تكون قد خسرتَ أعظم فرصة للنمو....
فادخُل فيه... في معاناته اللذيذة... من خلال المعاناة تأتي أعظم سعادة ونشوة في الحياة...
نعم... هناك آلام شديدة... مثل غصّة الموت... لأن عليك أن تموتَ
كـ "أنا" لتستطيع أن تُبعَث وتُولد من جديد ويحيا الله فيك وتحيا أنت
في الله مع الله وبالله...
والحب سيعطيك أول مذاق وتذوّق للحكمة والاستنارة....
الحب سيعطيك أول إثبات وإشارة بأن الحياة ليست دون معنى ومغزى... إن الناس القائلين بأن الحياة دون معنى هو هؤلاء الذين لم يعرفوا الحب والمغنى... وكل ما يقولونه يدلّ على أن الحب مفقود من حياتهم...
اسمح للألم واسمح للمعاناة بالقدوم والظهور....
اعبُر عبرَ الليلة المظلمة وستصل إلى شروق النور...
دائماً تُولد الشمس وتتفجّر من رحم الليل المظلم...
الحب أعظم شيء تتعلّمه في الحياة...
إنه أقدس قداسة وأطهر طهارة...
تستطيع نسيان الله، تلك مجرد كلمة مكونة من أربعة حروف وقد لا تعني لك شيئاً حالياً... تستطيع نسيان العبادات والصلاة لأنها مجرد معتقدات وتقاليد متنوّعة فرضها الآخرون عليك....
الحب هو طريق القلب إلى الربّ.... هو الصلاة والصّلة الطبيعية الفطريّة المولودة معك دون أن يفرضها عليك أحد...
الحب هو الله الحقيقي... الله محبة والمحبة هي الله... وليس إله رجال الأديان واللاهوت الذين صنعوه على فكرهم وهواهم، إله البوذيين أو المسيحيين أو الهندوسيين أو غيرهم من الثلاثمائة دين...
الحب وسيلة أصيلة... طريقة لقتلك كفردٍ منفصل مستقلّ، ولوَصلك بالصَّمَد الخالد المستمرّ...
أنت الآن قطرة ماء... ادخُل في الفناء وتحوّل إلى محيط....
لكن عليك في البداية أن تدخل من باب الحب....
وطبعاً عندما تبدأ قطرة الماء بالتبخّر والتلاشي والفناء من أجل اللقاء... وعندما يكون المرء قد عاش طيلة حياته كقطرة... سيأتي ألم عظيم... لأنه كان يفكر:
"أنا قطرة ماء مميّزة في إناء مميّز وفاخر... والآن أنا أموت وكل هذا سيزول ويذوب"....
لا تخف أبداً فأنت لا تموت....
مجرّد هذا الوهم والهمّ يموت في صمت وسكوت...
لقد أصبحتَ مُقيّداً محدوداً بالوَهم...
لدرجة كبيرة تعتقدها حقيقة...
لكن الوهم لا يزال وهم....
فقط عندما تختفي منك الأحلام والأوهام....
سترى مَن أنت ويدخل إلى قلبك النور والسلام....
هذا الكَشف الإلهي النُّوارني والبَوح المشروح...
سيوصلك إلى أعلى قمم الاحتفال وسعادة الروح...
التسميات:
الحب و العلاقات
|
0
التعليقات
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)
مختارات القراء لهذا الشهر
-
الرحمة هي الدواء الوحيد الذي يشفي من كل داء... لأن سبب كل أمراض الإنسان هو النقصان في الحب... كل ما يجري خطأ في جسده أو نفسه له عل...
-
ما هي النشوة أو الخمرة الإلهية التي تحدّث عنها العارفون بالله والعاشقون؟ ما هو "الحال" الذي يحدث في التأمل كمستوى أعلى من ا...
-
هناك حب بين الرجل والمرأة... يفيض بالحماس والحرارة والمتعة... وهناك حب بين التلميذ والمعلم... يغوص بالاستسلام والهدوء والحكمة... وه...
-
العلاقة شيء... والمشاركة الحقيقية شيء آخر... إقامتك لأي علاقة يعني أنك بالأصل مستقل ومنفصل وكذلك الشخص الآخر ولهذا قررت التواص...
-
هناك نوعان من التسليم والاستسلام الأول هو استسلام الضعفاء الأذلاء أي عندما تكون مجبوراً ومقهوراً وعليك أن تستسلم وهذا شيء بشع، لا تس...
-
هناك سبعة أجساد في جسد كل إنسان... سواء كان رجل أم امرأة.. وهي ثنائية.. ذكر وأنثى.. متقابلة في جسد كل منهما وصولاً إلى الجسد الخامس ...
-
الثقة هي الماء الذي يروي بُرعم الحب في قلبك... والحرية هي الشمس التي تتفتح بنورها زهور المحبة... إن المحبة ...
-
الحب هو الحرية الوحيدة من كل تعلّق وعبودية عندما تحب كل شيء لن تتعلق بأي شيء ...إذا صار الرجل سجيناً لحب المرأة ...وإذا صارت ...
-
يا نور الحياة الحنون.... الحب هو أقوى حل وتحويل، أقصر وأسرع سبيل... الحب أعمق عِلم لإزالة أي ألم عند أي عليل... إذا أحببتِ... ستجت...
-
الحب يؤلمنا لكي يعلّمنا.... الحب يؤلم ويعذّب قلب كل حبيب وعاشق.... لأنه يشق الطريق إلى السعادة والفرح الفائق... الحب يؤلم ويوجّع ...
Blog Archive
-
▼
2013
(13)
-
▼
يناير
(13)
- الحب و الثقة و الحرية
- من الجسد إلى الواحد الأحد
- الرحمة... دواء الإنسان والأكوان من الرحمن
- ما هي النشوة أو الخمرة الإلهية ؟
- بين الاستقلال والاتكال
- محبة بلا علبة
- أربع خطوات للحب
- الحاجة إلى الحب
- أين ذهب الحب ؟
- الخـــوف و الحـــب
- بـــدر و بــحر
- لماذا يؤلمنا الحب و يعذّبنا؟
- يا نور الحياة الحنون.... الحب هو أقوى حل وتح...
-
▼
يناير
(13)
أرشيف المدونة الإلكترونية
-
▼
2013
(13)
-
▼
يناير
(13)
- الحب و الثقة و الحرية
- من الجسد إلى الواحد الأحد
- الرحمة... دواء الإنسان والأكوان من الرحمن
- ما هي النشوة أو الخمرة الإلهية ؟
- بين الاستقلال والاتكال
- محبة بلا علبة
- أربع خطوات للحب
- الحاجة إلى الحب
- أين ذهب الحب ؟
- الخـــوف و الحـــب
- بـــدر و بــحر
- لماذا يؤلمنا الحب و يعذّبنا؟
- يا نور الحياة الحنون.... الحب هو أقوى حل وتح...
-
▼
يناير
(13)